حلّية أكل اللحوم المحرّمة عند الاضطرار
(فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لقد جاء تحريم بعض اللحوم ، حفاظا على سلامة جسد الإنسان وروحه ، فإذا طرأ عليه أمر يجعل الامتناع عن أكل المحرمات موجبا للوقوع في التهلكة كالمجاعة مثلا ، فإنّ الله أباح له في هذه الحالة ما حرّمة في الحالات الطبيعية ، للغاية ذاتها الّتي كان التحريم من أجلها. وذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) أنّ هناك وجهين محتملين فيه :
أحدهما : أنّ معناه غير مائل لإثم ، أو متعمّد له أو مختار أو مستحلّ. وذلك بأن يكون القيد قيدا توضيحيا لأنّ معنى الاضطرار يوحي بكل هذه المفاهيم.
وثانيهما : أيّ غير عاص بأن يكون باغيا أو عاديا أو خارجا في معصية ، وذلك بأن يكون الاضطرار في ظروف عاديّة لا أثر فيها للأجواء المنحرفة الّتي تتحرك في طريق البغي والتمرُّد والعدوان ، وذلك من قبيل الاستيحاء للآية الكريمة : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ١٧٣] لورودهما في سياق واحد ، وبذلك تكون الإباحة لغير هذه الفئة ، فمن اضطر في مثل هذه الأجواء فلا رخصة له ، ولكنّه يتناول هذه المحرمات ارتكابا لأخفّ المحذورين ، بحكم العقل الّذي يدفعه إلى ذلك.
وبعد الحديث عن المحرّمات ، جاءت الآية الثانية لتتحدث عمّا أحلّ الله للمؤمنين ، وذلك من خلال سؤال تقدموا به للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لينطلقوا على أساس قاعدة شرعيّة واضحة ، فسألوه : ماذا أحلّ لهم؟ وكان الجواب عاما لا تحديد فيه للتفاصيل بل للمبدأ ، فالله قد أحل للإنسان كلّ طيّب : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) لأنّ التحريم لم ينطلق كعقوبة للإنسان بل لمصلحته. أمّا تحديد ما أحلّ لهم بالطيب ، فللإيحاء بطبيعة الخصائص الكامنة في كل ما أحلّه الله