للإنسان ، سواء كانت ظاهرة يحسُّها بحواسه أم كانت باطنة يدركها بالحسّ الداخلي مما تشتمل عليه من منافع ، وقد يكون للإشارة إلى الجانب السلبي ، وهو عدم كونه من الخبائث الّتي يستقذرها الحسُّ والروح والفكر ، في الّذي أشار إليه تحت عنوان الخبائث.
ثُمّ تحدث عن بعض أنواع الصّيد الّذي كان يتوهّم فيه الحرمة ، وهو ما يصيده الكلب المعلّم الّذي تلقى تدريبا كافيا للصّيد ، بحيث لا يقبل على الحيوان بغريزته الجائعة ، بل بمهمته الصائدة ، وقد كان يخيّل للبعض أنّه من أنواع الميتة المحرمة ، خاصّة عند ما يصل صاحب الكلب إلى صيده وهو ميت ، فأنزل الله حليّته ، لأنّ الكلب يعتبر أحد وسائل الصّيد المتعارفة ، فيكون صيده ذكاته ، وهذا هو معنى قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) حالة كونهم مكلّبين ، أي أصحاب صيد بالكلاب. ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة ما جاء في تفسير الكشاف ، قال : «مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف واشتقاقه من الكلب ، لأنّ التأديب أكثر ما يكون في الكلاب ، فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه ، أو لأنّ السّبع يسمى كلبا. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» (١) (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) من علم التكليب لأنه إلهام من الله ومكتسب بالعقل ، أو مما عرفكم أن تعلّموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وإمساك الصّيد عليه وأن لا يأكل منه ـ كما جاء في الكشاف ـ (٢). (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ولم تدركوا ذكاته ، ولا تتوهموا حرمته. والإمساك على صاحبه : أن لا يأكل منه ، بمعنى أن لا يمسك الصّيد انطلاقا من غريزته المندفعة للافتراس لحاجاته الطبيعيّة كأي حيوان يبحث عن الفريسة ليأكلها ، بل يمسكه
__________________
(١) الزمخشري ، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر ، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، دار الفكر ، ج : ١ ، ص : ٥٩٤.
(٢) م. ن. ج : ١ ، ص : ٥٩٤.