علاقاتهم مع بعضهم البعض ، بحيث لم تعد النصرانيّة موقع وحدة بل تحركت لتكون موقع خلاف يوحي بالتعقيدات النفسيّة والشعوريّة والثقافيّة الّتي تثير العداوة والبغضاء ، لتمتد بهم امتداد الزمان إلى يوم القيامة ، لأنّ المذاهب المختلفة قد تحولت إلى ما يشبه الأديان المتنوّعة ، ولأنّ الحواجز القوميّة والعرقيّة والإقليميّة والسياسيّة والاقتصاديّة قد أصبحت حواجز واقعيّة في كل القضايا والأوضاع.
ولعلّ مثل هذه المؤثرات الداخلية ، في واقع النظرة إلى الدين ، لا تقتصر على النصارى وحدهم ، بل تشمل كل الّذين يحوّلون الانتماء الديني إلى حالة ذاتيّة تتغذى بالأنانيّة الفرديّة أو العرقيّة أو القوميّة أو المصلحيّة ، مما يمثل نسيانا لما ذكّروا به من الوحي الإلهي والالتزام الديني بحيث يتحركون في علاقاتهم ببعضهم البعض كما لو لم يكونوا أهل دين واحد ، ولعلّ هذا ما يتمثّل في واقع المسلمين اليوم الّذين التصقت بهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ، لأنّ المذهبيّة الطائفيّة تحولت إلى حالة متحجرة في الواقع لا يفكر أيّ فريق في داخلها بالتحّول عنها إلى الجانب الآخر.
إن القضيّة ليست متّصلة بعقاب إلهي منفصل عن حركة الواقع في عناصره ، بل هي متصلة بالذهنيّة الّتي تحكم السلوك ، والمنهج الّذي يحدد العلاقات ، والمفردات الّتي تترك تأثيراتها على الفكر والعمل ، فلا تعود العقيدة ـ في حيويتها وحركيتها وصفائها ونقائها وعناصرها الوحدوية ـ في الّتي تحكم الواقع الإنساني في الانتماء الديني ، بل الذات في كل ذاتياتها وتعقيداتها. (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) من كل ما قالوه ، وما فعلوه ، مما انحرفوا به عن التزامات الميثاق ، وابتعدوا عنه من خط الاستقامة في الدين.
* * *