بمستقبلها ، أو في ما يطّلعون عليه من خفايا الأمور في الآفاق الواسعة التي يتحركون فيها مما لم يطّلع عليه البشر ، ولكنهم واجهوا هذه الحقيقة ـ من خلال هذه التجربة الفريدة ـ فقد استمروا على العمل القاسي وهم يحسبون أن سليمان ينظر إليهم ويراقبهم ، وعرفوا (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) الذي كانوا يعيشون فيه القهر والمذلّة والهوان.
وقد نحتاج إلى تسجيل ملاحظة حذرة على الروايات التي حدّدت المدّة التي مضت على جهلهم بوفاة سليمان الذي بقي ـ وهو ميت ـ متكئا على عصاه ، مفتوح العينين ، كما لو كان يراقبهم ، حتى جاءت الأرضة وأكلت عصاه ، فانكسرت فوقع ، وعرفوا بموته.
فقد نلاحظ أن بقاء سليمان في هذا الوقت الطويل ، لا بد من أن يلفت أنظارهم وأنظار الآخرين لا سيما إذا لا حظنا استمراره في الليل والنهار ، مما لم يعهد ذلك منه ولا من غيره ، وعدم تناوله للأكل والشرب ، كما نلاحظ أن الأرضة لا تحتاج إلى هذا الوقت الطويل لتأكل عصاه ، فلا بد من أن يكون للمسألة وجه آخر (١) ، ووقت محدود ينسجم مع طبيعة الأشياء ، والله العالم.
* * *
__________________
(١) ورد في بعض الروايات أنه قال لأهله ـ عند ما أحسّ بدنوّ أجله ـ لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بنائه ودخل محرابه ، وقام متكئا على عصاه فمات وبقي قائما سنة ، وتم البناء ثم سلّط الله على منسأته الأرضة حتى أكلتها ، فخر ميتا فعرف الجن بموته ، وكان يحسبونه حيا لما كانوا يشاهدونه من طول قيامه قبل ذلك.