اعملوا آل داود شكرا
(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) فقد عزّز الله مكانتكم بالنبوّة ، وأفاض عليكم من نعمه الشيء الكثير مما لم يعطه للكثير من عباده ورسله ، فلا بد من الانطلاق في خط الشكر العملي ، في الدعوة إلى الله ، والعمل في سبيله ، والسير في طريق طاعته ، (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) الذين يملكون عمق المعرفة بالله ، في مواقع عظمته ونعمته ، وحقه العظيم على عباده في عبادتهم له ، وشكرهم لنعمائه. ولعل التأكيد على قلّة الشاكرين من عباده يوحي بأن مسألة الكثرة لا تمثل قيمة إنسانيّة في مضمون قرارها وحركتها ومنهجها العملي في الحياة ، لأنها ترتبط بالسطح الظاهر للأشياء ولا ترتبط بالعمق مما يجعلهم بعيدين عن خط الصواب. وليس معنى ذلك ، أن القلّة تمثل ـ دائما ـ معنى القيمة الإنسانية في مضمون الفكر وحركته ، بل إن المعنى العميق في ذلك ، هو عدم اعتبار الكثرة العددية أساسا للإيجاب ، كما أنّ القلّة العددية لا تمثل أساسا للسلب ، فلا بد من دراسة المضمون الداخلي للفكرة للقبول بها أو لرفضها.
(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) لم يعرفوا به ساعة حدوثه و (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) وهي الأرضة (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) أي عصاه ، (فَلَمَّا خَرَّ) إلى الأرض (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) الحقيقة الإيمانية التي تؤكد على استقلال الله بعلم الغيب ، فلا يملك أحد من عباده أيّة ملكة في هذا المجال ، إلّا بمقدار ما يعطيهم من مفردات الغيب ، في ما يحتاجون إليه خلافا للفكرة الشعبية التي تؤمن بأن الجن يعلمون الغيب ، ويقيمون علاقات خاصة مع الإنس ، فيطلعوهم على الغيب ليضروا به بعض الناس ، ولينفعوا بعضا آخر ، أو ليكتشفوا أسرارهم ، وربما كان الجن يعتقدون في أنفسهم ذلك ، بما قد يستوحونه من غيب بعض الأمور من خلال ملامحها ، في ما يجدونه من المفردات التي توحي