إلى مدارج العلو في رحاب الألوهية العظيمة؟ هل يستحقون هذا الشرف الذي أعطيتموهم إياه ، بعبادتكم إيّاهم ، وبخضوعكم لهم ، والتزامكم بمنهج الفكر والشعور الذي يتحرك في خطوطهم العامة والخاصة. (كَلَّا) فليس الأمر كما تزعمون أو كما تتخيلون ، فهم لا يستحقون ذلك كله ، فرفضوهم من موقع أنهم لا يمثلون الحق ، بل يمثّلون الباطل ، لأن الله ـ وحده ـ هو الحق ، (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ) الذي لا يغلب ، (الْحَكِيمُ) الذي تتحرك كل أفعاله من موقع الحكمة التي توازن بين الأشياء كلها فلا تخطئ في شيء منها ، مهما كان دقيقا.
قل لهؤلاء كل ذلك ، وأكّد لهم حقيقة الوحدانية ، وضلال الشرك ، وقل ، لكل الناس ، من غير هؤلاء ، هذه الحقيقة التي تفرض نفسها على الوجدان الإنساني عند ما يعيش لحظات الصفاء وعمق الوعي النقيّ ، فإنك رسول الله إلى الجميع ، لتبشرهم بالجنة والرضوان في رحاب الله ، ولتنذرهم بالنار وبالسخط الإلهيّ في رحاب الآخرة. وتلك هي حقيقة الشمول في رسالتك ، للحياة كلها ، وللناس كلهم.
* * *
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ)
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) أي عامّة للناس كلهم ، العرب والعجم وسائر الأمم ، (بَشِيراً) لهم بالجنة ، (وَنَذِيراً) لهم من النار (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لأنهم لم يرتبطوا بالجانب المشرق من الصورة ، فحوّلوا عيونهم عن النور المتلألئ فيها ، ولم ينفتحوا على القضايا الراقدة في عمق الواقع ، التي تحتاج إلى الكثير من الجهد والمعاناة ، في البحث والتأمل