مارستموه معنا ، مما كنتم تديرونه من أسباب المكر والحيلة في الليل والنهار من خلال استغلالكم لكل نقاط الضعف فينا ، لتحاربونا بنقاط القوّة عندكم ، في ما نحتاجكم فيه من مال وقوّة وسلطان ، وما تثيرونه في غرائزنا من لذّات وشهوات ، وما تعدوننا به من أطماع وطموحات .. فيزحف كل ذلك إلى عقولنا ، وينساب إلى مشاعرنا ، ويتحرك في غرائزنا ، فنستسلم لكم استسلاما مطلقا لا شعوريا. كما لو كنا مشدودين إلى سحر ساحر (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) إنكم أخضعتمونا للفكرة التي تربط العقيدة بالحس ، وتبعدها عن الغيب ، فإذا كنا لا نرى الله بأعيننا ، فعلينا كما أوحيتم لنا ، أن نكفر به بعقولنا ، حتى لو رأيناه في قلوبنا وإحساسنا الداخلي (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) مما صنعتموه من أصنام ، وممن أوحيتم لنا بأنهم في موقع الألوهية من خلال ما تثيرونه حولهم من أسرار ، وما تثيرونه في عقولنا نحوهم من خيالات وأوهام .. ولم ينفع هذا الكلام ، (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) واستعادوا كل تاريخ حياتهم في الدنيا ، وشعروا بالندم العميق الذي يحرق كل مشاعرهم الآن ، قبل أن تحترق أجسادهم في النار ، وعاشوا العذاب النفسي الداخلي في ما أسرّوه من الندم (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) من المستكبرين والمستضعفين (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) لأن الله لا يعاقب أحدا إلا بذنبه.
* * *