فيخضعون حركة الواقع من حولهم لسلطتهم ، ويستغلون حاجة الآخرين المحرومين من ذلك كله إليهم ، ليجعلوا من تلك الحاجات قيودا في أيديهم ، وسبيلا إلى إذلالهم ، وها هم يقولون بلهجة ممزوجة بالنقمة والتوسل : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) لأن طريق الهدى كانت مفتوحة أمامنا ، ولأن قلوبنا كانت منفتحة على كلمات الأنبياء ، كما كانت أرواحنا قريبة إلى أجواء الصفاء .. وكان من الطبيعيّ أن نلتقي مع الدعاة إلى الله على خط الإيمان ، ولكنكم وقفتم أمامنا ، لتسدّوا علينا كل الطرق المفتوحة على الله ، ولتغلقوا عنا كل أبواب الخير والهدى والفلاح ولتعكّروا علينا كل صفاء الحياة وطمأنينة الروح وهدوء الفكر ، حتى ابتعدنا عن الإيمان من خلال دعوتكم إلى الكفر.
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) وعند ما رأى المستكبرون أن حراجة الموقف ودقّته يفرضان عليهم الجواب ، وقد كانوا في الدنيا لا يعبأون بالمستضعفين ، ولا يسمحون لهم بالمناقشة ، ولا يردون عليهمالسلام والكلام ، ولكن المسألة الآن تختلف عن السابق لأن الجميع يقفون في مستوى واحد أمام المسؤولية بين يدي الله ، فلا فرق بين كبير وصغير ، الأمر الذي يجعل المستكبرين يخافون من تحمّلهم مسئولية إضلال هؤلاء ، مما يزيد عذابهم فوق ما يستحقونه من العذاب .. وهكذا أطلقوا الرد عليهم بقوّة ، كما لو كانوا يتكلمون معهم في الدنيا (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) فما هي علاقتنا بذلك ، فإذا كان ثمّة ضغوط منا على أجسادكم ، فهل كنا نضغط على عقولكم وقلوبكم ، ونسيطر على قناعتكم ، وهل يملك أحد أن يضغط على عقل أحد ، أو يملك قلبه من دون إرادته؟ إنها إرادتكم التي اختارت هذا النهج في الكفر ، فليست المسألة أنكم كنتم خاضعين لضغوطنا ، (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) بما اخترتموه من الكفر والعصيان والضلال ، تماما كما هي المسألة بما اخترناه ـ نحن ـ من الاجرام في حق الله ، وحق أنفسنا.
(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) الذي