القاعدة ، في وقفة الذلّ والعار ، أمام ضوضاء الجدال المرير بين المستكبرين الذين نشروا الشرك في حياة الناس المستضعفين ، وبين المستضعفين الذين خضعوا لهم انطلاقا من ظروفهم الصعبة الضاغطة عليهم ، وحاجاتهم الكثيرة الملحّة. (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في وقفة الحساب التي يتقدمون فيها إلى أعمالهم ليواجهوا مصيرهم في الآخرة ، بعد أن عاشوها في الدنيا في طريق اللذة والمنفعة ، وفي هذا الموقف يتكلم الجميع بمرارة ، فالمستضعفون يبحثون عن الجهة التي يحمّلونها مسئولية أعمالهم ، ليتخفّفوا من النتائج الصعبة التي يواجهونها في قضية مصيرهم المحتوم في النّار ، فلعلهم يستطيعون الهروب منه ، ليتحمّله الآخرون ، أو التخفف منه ليشاركوهم فيه ، ولذا جاء الحديث وفق هذه الطريقة (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) فيردّه عليه في عملية جدال متحرّك.
* * *
حوار المستضعفين والمستكبرين
(يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) من هؤلاء الذين عاشوا ضعف الإرادة في مواقعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وسقطوا تحت تأثيره ، مما جعلهم عاجزين عن أن يقولوا «لا» بقوّة الرفض ، عند ما يميل الموقف إلى الرفض ، ولا يملكون أن يقولوا «نعم» ، عند ما يميل الموقف إلى القبول ، بل يقبلون ما يراد لهم أن يقبلوه ، ويرفضون ما يراد لهم أن يرفضوه ، وهكذا كانوا يرفضون الإيمان لأن المستكبرين أرادوا لهم أن يرفضوه ، ليلتزموا الكفر من دون أن يدرسوا المسألة بعمق في طبيعتها ونتائجها السلبية أو الإيجابية في الدنيا والآخرة. وها هم يواجهون النار وجها لوجه ، فيحاولون الهروب منها بما يقولونه (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) الذين كانوا يملكون المال والجاه والرجال والقوّة ،