بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) لأن الرسالات تعمل على تحرير الإنسان من الخضوع لإنسان مثله تحت ضغط حاجاته ، وتأثير نقاط ضعفه ، فهي توحي إليه بأن الله هو الذي يرعى حاجاته وحاجات المخلوقات التي تعيش معه ، وأن الآخرين من الطغاة والأغنياء من مترفي الأمم ، لا يخرجون عن دائرة الحاجة أمام الله ، فما من نعمة يتقلبون فيها ، إلا وهي مستمدة من الله ، فهو الذي منحهم إيّاها وأنعم عليهم بها ، وهو القادر على أن يسلبهم إياها ، كما تعمل الرسالات أيضا على تغيير مفهوم الإنسان للحياة في قيمها العامة والخاصة ، في الجانب الروحي والماديّ منها ، والهدف أن تجعل الناس المستضعفين أحرارا في حياتهم ، وأقوياء في مواقفهم ، من خلال كونهم مؤمنين في عقيدتهم رفض العبودية إلا لله ، والتمرّد على كل الشرائع إلا شريعة الله .. وهكذا كان المترفون يعلنون الكفر بالرسالات في مواجهة الأنبياء للحفاظ على امتيازاتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في دائرة الظلم والطغيان.
* * *
منطق القوة لدى المترفين
(وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) مما يجعلنا الأقوى موقعا وموقفا وشأنا من هؤلاء الرسل الفقراء المعدمين الذين لا يملكون ما نملك من الكثرة في الأموال والأولاد والأتباع (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لأن الله لا يمكن أن يعذّب الطبقة العليا من الناس التي تمثل المستوى الكبير في الحياة على صعيد المال والمعرفة والقوة ، ففي خيالهم أن امتيازات الدنيا تحكم امتيازات الآخرة بحكم سيطرة القيم المادية عليهما معا.
* * *