منطق الرسالة في مواجهة منطقهم
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) فليست السعة في الرزق تمثل امتيازا للغني ، بما يرزقه الله ، وليس التقدير في العيش ، يمثل احتقارا للفقير ، بما يضيّقه الله عليه من رزقه ، بل الأمر يختلف في طبيعته باختلاف حركة الحكمة التي يجسدها التخطيط الإلهي الخاص بأرزاق النّاس في الحياة ، بما يصلح به أمورهم في طبيعة حياتهم. فقد يكون الفقر بلاء للفقير ، ليختبر الله به صبره وإيمانه ، ليرفع درجته من خلال ذلك فيكون خيرا له ، وقد يكون الغنى بلاء للغني ليختبر به شكره وتقواه ، فإذا لم يشكر كان ذلك شرا له ، فتسقط درجته. فلا بد من أن ينظر للمسألة من هذه الجهة ، لتتوازن النظرة في مجريات الحياة في حركة الرزق فيها ، ليعرف الناس عمق المعنى في ذلك كله ، فلا تغريهم المظاهر ولا تسلبهم الثروة التي يملكها الآخرون استقامة نظرتهم إلى الواقع ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لأنهم يرتبطون بالسطح الظاهر للقضايا ولا ينفذون إلى العمق.
(وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) مما قد يوحي به كلامكم الذي تؤكدون فيه أنكم لستم بمعذبين ، لأنكم أكثر أموالا وأولادا ، فكيف تفكرون بهذه الطريقة؟ وكيف يمكن أن يقرّب الله إنسانا لكثرة أمواله وأولاده ، مع أنه هو الذي أعطاه ذلك كله ، وهو الذي قسم العطايا بين خلقه ، فكيف يميزهم بالقيمة ، ما ميّزهم به من حيث الحكمة والبلاء ، لا من حيث المنزلة والمقام ، فلا يميز الله عبدا عن غيره في أيّ موقع من المواقع (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) فأعطوا الله من جهدهم الفكري ما جعلهم أقرب إليه في عقولهم وقلوبهم من خلال الإيمان بوجوده ، والإخلاص لتوحيده ، ومن جهدهم الجسدي ما جعلهم أقرب إليه في نشاطهم العملي الذي يراعي تقوى الله