القرآن يناقش أفكار الانحراف العقيدي
وتتنوع الأساليب في الحديث عن الانحراف في مسألة العبادة ، فيجري تصوير مواقف بعض المخلوقات الروحانية كالملائكة الذين كان المشركون يقصدونهم بالعبادة ، فيوجه الله السؤال إليهم عن طبيعة موقعهم في هذه الدائرة العبادية ، ويكون الجواب الطبيعي أنهم ليسوا في هذا الموقع ، في ما يرونه من أنفسهم من إخلاصهم لله ، ومن خلال إحساسهم بأنهم عباده الذين يعيشون في ولاية الله ورعايته لهم في كل أمورهم ، فلا قيمة لأحد ، مهما كانت مشاعره تجاههم ، ومهما كان إخلاصه لهم ، أمام الله ، فلا يقبلون أن يضعوا أنفسهم في موقع المعبود ، ولا يقبلون من أحد أن يضعهم في هذا الموقع ، وتظهر هذه الحقيقة في هذا الحوار الإلهيّ مع الملائكة.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) العابدين والمعبودين في يوم القيامة (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) هل توافقونهم على هذا النهج ، وهل ترضيكم هذه العبادة لكم من دون الله؟ (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) إنك ـ أنت ـ يا ربنا خالقنا ورازقنا وراعينا ومالك كل أمورنا الصغيرة والكبيرة ، فليس لنا من الأمر إلّا ما قضيت ولا من الخير إلا ما أعطيت ، فهل يمكن أن نفكر ـ لحظة ـ بأن يجعلنا أحد من هؤلاء الناس أولياء لهم من دونك ، بأن ننصرهم في ما يدعوننا إليه ، وأن نشفع لهم في ما يشفّعوننا به ، فما ذا نملك لهؤلاء من نصرة وشفاعة؟! إننا نرفض ذلك كله ، من موقع عبوديتنا وعبوديتهم لك (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) وهم يشعرون أنهم ملائكة ، فيعبدونهم خوفا منهم ، ورغبة في اتقاء شرورهم ، في ما يعتقدونه بهم من قدرات خارقة ، وعلم بالغيب (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) وقد قيل ، في تفسير الآية ، إن المراد أنهم كانوا يطيعون الجن في تزيينهم لهم عبادة الملائكة وغيرهم من دون الله.