(فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) فلا ولي ولا شفيع من دون الله ، سواء كانوا من الإنس أو من الجن ، أو من الملائكة ، فأين تذهبون؟ وكيف تفكرون؟ فهذا ، أيها المشركون ، هو الموقف الحاسم الذي يواجه فيه كل واحد منكم مصيره المحتوم الذي لن يكون في مستوى السعادة الذي يأمله ويرضاه لنفسه ، فها هم الملائكة الذين جعلتموهم شفعاء يتبرءون منكم ومن عبادتكم لهم ، من موقع خضوعهم لله ، وإقرارهم بعبادته ، (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر أو بالشرك ، (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) عند ما كنتم ترفضون اليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وتسخرون من فكرة النار ، فها هي النار التي كنتم بها وبعذابها تكذبون ، إنها الحقيقة ، فذوقوا الآن طعم الحقيقة.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) تؤكد لهم نبوّتك ورسالتك ، ووحي الله الذي أنزله عليك في كتابه (قالُوا) لبعضهم البعض (ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) إنه المنطق الذي يهرب من مواجهة الحقيقة في مضمونها الفكري العميق ، ليثير المسألة في اتجاه إثارة المشاعر المعادية للرسول عبر تحريك العصبيات العائلية القائمة على الإخلاص لعقيدة الآباء والأجداد ، لينتفض الناس في مظاهرة مجنونة تستهدف حماية إرث هذا التاريخ الذي قد لا يكون له أيّ معنى ، في ما يحترم فيه الفكر ، وتنفتح فيه الحقيقة ... وتلك هي حالة كل الذين يريدون أن يصادروا الفكر الحيّ التغييري ، في المجتمعات المتخلفة ، عند ما يعملون على تجميع عناصر الإثارة المضادة التي تخاطب الغرائز والعصبيات والمشاعر الحادّة لإسقاط الفكرة في الساحة العامة من دون مناقشة. وهكذا أطلق هؤلاء أمام بعضهم البعض فكرة حماية مقدسات الآباء (وَقالُوا) عن القرآن (ما هذا إِلَّا إِفْكٌ) كذب (مُفْتَرىً) فهو منسوب إلى الله من دون أساس ، بل هو افتراء (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) في أسلوب مثير جديد ، لا يستهدف الفهم والوعي ، بل التشويش والتشويه والإثارة