(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ)
(قُلْ) لهؤلاء الذين تجمعوا حولك وهم يصرخون : إنك مجنون ، أو الذين يلاحقونك ، وهم يهتفون خلفك ويشيرون إليك بأنك مجنون ، أو الذين يتحدثون عنك في غيابك فيتهمونك بالجنون ، قل لهم كلمة العقل والحكمة ، وعلّمهم منهج التفكير وطريقة إدارة القضايا المتنازع عليها في الجوّ والأسلوب والحركة ، لأن مشكلتهم هي أنهم لا يحركون الأسلوب بطريقة هادئة ، ولا يحدّدون المنهج العقلاني الذي يعتمد على الموضوعية في مناقشة الأمور وإطلاق الأحكام ، وإلا ، فإنك لن تسطيع الوصول إلى أيّة نتيجة حاسمة معهم إذا أردت أن ترد الكلمة المعادية التي يطلقونها ضدك بشكل مباشر ، بل لا بد لك من أن تثير أمامهم مسألة المنهج ، لتقودهم إلى الطريقة المثلى في إثارة الأمور ومعالجة القضايا ومناقشة الظواهر ، والوصول إلى تكوين القناعات من خلال ذلك كله.
قل لهم : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) فهي كلمة واحدة تحدد لكم المنهج في التفكير ، (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) وتنفصلوا عن الجوّ المحموم الضاغط على عقولكم ومشاعركم ومواقفكم ، والذي يشعر كل واحد منكم أن الدخان يملأ عقله وشعوره وحياته ، فلا يرى أمامه شيئا ، فتفرقوا فرادى ، وليجلس كل واحد منكم مع نفسه ، ليخلو إلى عقله ويفكر ، أو تفرقوا مثنى مثنى ، ليجلس كل واحد منكم إلى صاحبه ، ويفكر معه بحسابات هادئة متزنة ، ومناقشة عاقلة دقيقة في ظل حالة فكرية هادئة ، تنطلق منها الشخصية الفردية المفكرة ، ليكون الفكر فكر المجموع من خلال فكر الجميع ، لا فكر المجموع من خلال انفعال المجموع ، (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) ليقودكم التفكير إلى قراءة كلام هذا الإنسان في كلماته وأسلوبه ، ومضمونه الفكري ، وإلى دراسة خطواته العملية ، وعلاقاته