بالناس ، وطريقته في التخطيط ، ولتستنتجوا من خلال ذلك كله ، أن هذا الإنسان هو في قمة التوازن العقلي والشعوري والعاطفي ، ولتعرفوا الحقيقة التي تفرض نفسها عليكم ، (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) لأن للجنون علاماته في الكلمة والحركة والأسلوب ، فلم يأتكم بشيء يبتعد عن المعقول ، بل أتاكم بما أتى به النبيون من قبله في ما حدثكم عن الله وعن اليوم الآخر في ثوابه وعقابه ، وعما ينتظر الكافرين من عقاب شديد (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) أعده الله للكافرين والمشركين.
* * *
من أساليب الدعوة في الإسلام
وقد عالجت هذا المنهج الذي تتناوله هذه الآية في كتاب «أسلوب الدعوة في القرآن» ، بطريقة وافية ، قد تحمل الكثير من اكتشاف أسلوب الدعوة في الإسلام ، مع ملاحظة التقاء هذا الأسلوب ببعض النظريات ، وقد رأيت من المناسب نقله في هذا التفسير ، إكمالا للفائدة.
نحن الآن ـ مع هذه الآية ـ بإزاء موقف جديد ، تتعرض له الدعوة في بداية انطلاقتها ، فتهمة الجنون التي ألصقت بالرسول فاجأتها ، ووضعتها ، ليس أمام فكرة تصادم فكرتها ، لتواجهها في نطاق الصراع والجدل الفكري بالفكر القوي المتزن ، ولا أمام قوّة مادية تصطدم بها في مجال الحرب والقتال ، لتعدّ لها ما تستطيع من قوّة دفاعية ، بل وضعتها أمام عدوّ يسبّ ويشتم ، ويتهم ويفتري ، ولا شيء غير ذلك.
ولا يملك الداعية ـ إزاء ذلك كله ـ أسلوبا مماثلا لهذا الأسلوب ، لسبب بسيط جدا ، وهو أن ذلك لا يتلاءم مع الدعوة ، كدين يعيش في مستوى القيم ،