ويحرّك من ساحات الصراع القائم على الحجة الواضحة والبيّنة القاطعة ، على أساس الخط الذي يتحرك فيه العقل ليدلّ على الله ، وليكشف العمق الخفي من آياته وليوضح مشكلات الأفكار ، ويواجه تحديات الفكر الآخر المضاد. لقد جاء ليفتح العقول على الإسلام لتفهمه ولتتأمل فيه ولتناقشه ولتقتنع به ولتدعو له ولتلتزم به ليكون الدين كله لله ... (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) فقد سقط أمام الحق ، فليس له أن يظهر أوّلا ، ليعود فيظهر ثانيا في حركة الواقع.
(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) من خلال ما قد أخطئ فيه من وعي الوحي ، فكرة وتطبيقا ، وليس ذلك من الوحي نفسه ، فهو الحق الذي لا يقترب منه الباطل (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) لأن الوحي هو الذي يفتح للعقل وللوجدان باب الهدى على الحق من أوسع الآفاق ، وهو الذي يضيء للحياة الدرب المظلم الذي تتخبط فيه ، لتعرف كيف تكتشف الطريق المستقيم. وبذلك كان الهدى الذي يبلغه الإنسان هبة من الله ـ وحده ـ لأن الإنسان لا يملك القوّة التي تفتح له كل أبواب الحقيقة ، بل الله هو الذي يملك ذلك كله ، فيعطي الإنسان منه ما يبلغ به مواقع الصواب (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) يسمع الدعوة ، ولا يحجبه عنها حاجب مهما كان.
* * *