وعلى الحق كله.
(فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) في ما تعيشه من الرحمة الروحية والعاطفة القلبية ، إزاء هؤلاء الذين ينطلقون في خط الضلال باختيارهم ، لأنهم لم ينفتحوا على الهدى النازل من الله ، ولأنهم سيواجهون غضبه وسخطه وعقابه يوم القيامة ، فلا تعش الغم والهم وحسرة الروح عليهم ، لأن القوم هم الذين اختاروا لأنفسهم هذا المصير عند ما تمردوا على الله ، وهم قادرون على الانسجام مع وحيه والطاعة لرسله ، والالتزام برسالته ، فلا يستحقون رأفتك واهتمامك.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) فهو المطلع عليهم في كل ما فكروا به وما قالوه وعملوه ، مما يستحقون به الكثير من عقابه ، فلا يعاقبهم إلا بالحق ، ولا يجازيهم إلا به.
* * *
كيف نستوحي الآية؟
وقد نستوحي من هذه الآية أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعيش الحزن الرسالي في نفسه ، لابتعاد هؤلاء عن الإيمان وخروجهم ـ بذلك ـ عن مواقع رحمة الله ، مما ينعكس سلبا على مصيرهم في الآخرة ، فكانت هذه الآية ، من أجل أن لا يثقل ذلك قلبه الكبير ، عبر الإيحاء له بأن الحزن على الناس الضالّين ، قد يكون حالة إنسانيّة عميقة طاهرة تدل على الغنى الإنساني في العاطفة لدى الإنسان الداعية ، ولكنّ هؤلاء ليسوا في هذا المستوى الجدير بالعطف ، لأنهم كانوا في موقع الإساءة المتعمّدة إلى الله وإلى أنفسهم وإلى الحياة بعد أن قامت الحجة عليهم في ذلك كله.
* * *