ورأيت أن طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه وضلّة من عقله ، فكم قد رأيت يا إلهي من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا ، وراموا الثروة من سواك فافتقروا ، وحاولوا الارتفاع فاتّضعوا ، فصحّ بمعاينة أمثالهم حازم ، وفّقه اعتباره وأرشده إلى طريق صوابه باختباره ، فأنت ـ يا مولاي ـ دون كلّ مسئول موضع مسألتي ، ودون كلّ مطلوب إليه وليّ حاجتي ، أنت المخصوص قبل كلّ مدعوّ بدعوتي ، لا يشركك أحد في رجائي ، ولا يتفق أحد معك في دعائي ، ولا ينظمه وإيّاك ندائي ..».
وهكذا نجد أن الله يريد أن يعمّق الشعور بالحاجة إليه وحده ، لينطلق المؤمن في الحياة مرتبطا به ، فيكون قويا وعزيزا بالله ، معتقدا بأن هؤلاء الذين قد يغرونه باستمداد العزة منهم ، يستمدون العزة من الله ، فينطلق إلى أهدافه بكل قوّة وطمأنينة ، فلا تكون العزة مجرد شعور طارئ يذهب لدى أيّة صدمة ، أو أية وحشة في حركة العناصر الطارئة للقوّة في حياته.
* * *
قبول الله الكلم الطيب والعمل الصالح
(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) الذي يحمل في مضمونه الحق في العقيدة ، وفي المفهوم الكلي لقضايا الحياة ، وفي مفاهيم المفردات الجزئية لتفاصيل الواقع ، فإن الله يتقبل الكلام الطيب المعبّر عن روحية الإنسان ، المنطلق من مواقع الصدق في فكره وشعوره وموقفه ، ويعطي الإنسان أجره على ذلك. وهذا ما توحي به كلمة الصعود إليه ، فهي كناية عن قبول الكلام الذي يتحرك في الحياة ليؤكد الحقّ ، وليثير فيها ما ينفع الناس ويستقيم بهم في نهج العقيدة والعمل الصالح.