والخفيفة. قال أبو حاتم : ولو قرئت (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) لجاز (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ويجوز أن يكون هذا النون الخفيفة ثمّ أدغمت في النون التي مع الياء ، ويجوز أن تكون النون التي مع الياء حذفت ، كما يقال : إنّي ذاهب ويكون مؤكّدا بالثقيلة ، وأهل مكة يقرءون «أو ليأتينّني» (١).
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) قراء عاصم ، وتروى عن الأعمش ، وقراءة سائر القراء (فَمَكَثَ) (٢) قال سيبويه : مكث يمكث مكوثا ، كما قالوا : قعد يقعد قعودا. قال :
ومكث مثل ظرف ، وحجّة من ضمّ عند سيبويه أنه غير متعدّ كظرف. قال أبو جعفر :
وسمعت علي بن سليمان يقول : الدليل على أن مكث أفصح قولهم ماكث ، ولا يقولون : مكث فهذا مخالف لظرف. قال أبو جعفر : وهذا احتجاج بيّن لأن فعل فهو فاعل لا يعرف في كلام العرب إلّا في أشياء مختلف فيها ، ومنها ما هو مردود. فأما اللواتي اختلف فيها فطلقت المرأة فهي طالق ، وقد قيل : طلقت ، وحمض الخلّ فهو حامض ، وقد قيل : حمض. وزعم أبو حاتم : أنّ قولهم فره فهو فاره لا اختلاف فيه.
كذا قال ، وقد حكى غيره : فره يفره فهو فره وفاره مثل حذر ، حكى هذا قطرب. (غَيْرَ بَعِيدٍ) قال أبو إسحاق : أي وقتا غير بعيد. (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) فكان في هذا ردّ على من قال : إنّ الأنبياء تعلم الغيب ، وحكى الفراء (٣) (أحطّ) يدغم التاء في الطاء ، وحكى أحتّ يقلب الطاء تاءا ويدغم «وجئتك من سبأ بنبإ يقين» قراءة المدنيين والكوفيين. وقرأ المكيون والبصريون (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٤) بغير صرف وزعم الفراء أن الرّؤاسي سأل أبا عمرو بن العلاء رحمهالله عن سبأ فقال : ما أدري ما هو. وتأوّل الفراء على أبي عمرو أنه منعه من الصرف لأنه مجهول وأنه إذا لم يعرف الشيء لم ينصرف واحتجّ بقوله : [الطويل]
٣١٧ ـ يكن ما أساء النّار في رأس كبكبا (٥)
وأبو عمرو أجلّ من أن يقول مثل هذا ، وليس في حكاية الرؤاسي عنه دليل أنه إنّما منعه من الصرف لأنه لم يعرفه وإنما قال : لا أعرفه ، ولو سئل نحويّ عن اسم
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٢ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٩.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٢ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٩.
(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٩.
(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٣.
(٥) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٦٣ ، والكتاب ٣ / ١٠٦ ، وجمهرة اللغة ١٧٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ٤٩٢ ، ولسان العرب (زيب) و (كبب) ، وبلا نسبة في المقتضب ٢ / ٢٢ ، وصدره : «وتدفن منه الصالحات وإن يسيء»