فقال : لا أعرفه ، لم يكن في هذا دليل على أنه يمنعه من الصرف بل الحقّ على غير هذا ، والواجب إذا لم تعرفه أن تصرفه لأن أصل الأسماء الصرف ، وإنما يمنع الشيء من الصرف لعلّة داخلة عليه فالأصل ثابت فلا يزول بما لا يعرف. واحتجاجه بكبكب لا معنى له لأن كبكب جبل معروف ، منع من الصرف لأنه بقعة ، وإن كان الصرف فيه حسنا. والدليل على ما قلنا إن أبا عمرو إنما احتجّ بكلام العرب ولم يحتجّ بأنه لا يعرفه ، وأنشد للنابغة الجعدي : [المنسرح]
٣١٨ ـ من سبأ الحاضرين مأرب إذ |
|
يبنون من دون سيله العرما (١) |
وإن كان أبو عمرو قد عورض من هذا فروي «من سبأ الحاضرين ...» حذف التنوين لالتقاء الساكنين. قال أبو جعفر : سمعت علي بن سليمان يقول : سمعت محمد ابن يزيد يقول : سمعت عمارة يقرأ (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ) [يس : ٤٠] بالنصب ، حذف التنوين لالتقاء الساكنين. وقد تكلّم أبو عبيد القاسم بن سلام في هذا بكلام كثير التخليط ونمليه على نص ما قال ، إذ كان كتابه أصلا من الأصول ليوقف على نصّ ما قال ، ويعلم موضع الغلط منه. قال أبو عبيد : وهي قراءتنا التي نختار ، يعني «من سبأ بنبإ يقين» ، قال أبو عبيد : لأن سبأ اسم مؤنث لامرأة أو قبيلة ، وليس بخفيف فيجري لخفّته والذي يجريه يذهب به إلى أنه اسم رجل ، ومن ذهب إلى هذا لزمه أن يجري ثمود في كلّ القرآن فإنه وإن كان اليوم اسم قبيلة فإنه في الأصل اسم رجل وكذلك سبأ ، فإن قيل : إن ثمود أكثر في العدد من سبأ بحرف ، قيل : إن الحركة التي في الباء والهمزة قد زادتا في ثقله أكثر من ذلك الحرف أو مثله ، إنما الزيادة في ثمود واو ساكنة. قال أبو جعفر : قوله : «لأن سبأ اسم مؤنّث لامرأة أو قبيلة» يوجب أنه ترك صرفه لأحد هذين الأمرين ، وأحدهما لا يشبه صاحبه ، لأن اسم المرأة تأنيث حقيقى واسم القبيلة تأنيث غير حقيقي ، والاختيار عند سيبويه (٢) في أسماء القبائل إذ كان لا يستعمل فيها «بنو» الصرف نحو ثمود ، وقوله : «ليس بخفيف فيجري لخفّته» ليس بحجّة على من صرفه ؛ لأنه لم يقل أحد علمناه : صرفته لأنه خفيف. وقوله : «والذي يجريه يذهب به إلى أنه اسم رجل» ليس هذا حجّة من أجراه ، إنما حجته أنه اسم للحيّ وإن كان أصله على الحقيقة أنه اسم لرجل. روى فروة بن مسيك وعبد الله بن عباس عن النبي
__________________
(١) الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه ١٣٤ ، وجمهرة اللغة ص ٧٧٣ ، وسمط اللآلي ص ١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٤١ ، ولسان العرب (عرم) ، ولأميّة بن أبي الصلت في ديوانه ص ٥٩ ، وللنابغة الجعدي أو لأميّة في خزانة الأدب ٩ / ١٣٩ ، وللأعشى في معجم ما استعجم ص ١٧٠ ، وبلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٧٩ ، والاشتقاق ص ٤٨٩ ، وجمهرة اللغة ١١٠٧ ، ولسان العرب (سبأ) ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص (٥٩).
(٢) انظر الكتاب ٣ / ٢٧١.