هارون القارئ ، فإن سيبويه حكى عنه ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة أيّهم (١) بالنصب أوقع على أيّهم لننزعنّ. قال أبو إسحاق : في رفع «أيّهم» ثلاثة أقوال : قال الخليل بن أحمد ـ حكاه عنه سيبويه (٢) ـ إنه مرفوع على الحكاية ، والمعنى عنده : ثم لننزعنّ من كلّ شيعة الذي يقال من أجل عتوّه أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّا ، وأنشد الخليل : [الكامل]
٢٨٨ ـ ولقد أبيت من الفتاة بمنزل |
|
فأبيت لا حرج ولا محروم (٣) |
أي فأبيت بمنزلة الذي يقال له : لا هو حرج ولا محروم. قال أبو جعفر : ورأيت أبا إسحاق يختار هذا القول ويستحسنه ، قال : لأنه بمعنى قول أهل التفسير ، وزعم أن معنى «ثم لننزعنّ من كلّ شيعة» ثم لننزعنّ من كلّ فرقة الأعتى فالأعتى ، كأنه يبدأ بالتعذيب بأشدهم عتيا ثمّ الذي يليه. وهذا نص كلام أبي إسحاق في معنى الآية. وقال يونس : لننزعن بمنزلة الأفعال التي تلغى فرفع «أيّهم» بالابتداء. وقال سيبويه (٤) : «أيّهم» مبني على الضم لأنها خالفت أخواتها في الحذف لأنك لو قلت : رأيت الذي أفضل منك ، ومن أفضل ، كان قبيحا حتى تقول : من هو أفضل ، والحذف في أيّهم جائز. قال أبو جعفر : وما علمت أن أحدا من النحويين إلّا وقد خطّأ سيبويه في هذا. سمعت أبا إسحاق يقول : ما يبين لي أنّ سيبويه غلط في كتابه إلّا في موضعين هذا أحدهما ، قال :
وقد علمنا سيبويه أنه أعرب «أيّا» وهي منفردة ؛ لأنها تضاف فكيف يبنيها وهي مضافة؟ ولم يذكر أبو إسحاق فيما علمت إلا هذه الثلاثة الأقوال. قال أبو جعفر : وفيه أربعة أقوال سوى هذه الثلاثة الأقوال التي ذكرها أبو إسحاق ، قال الكسائي : لننزعنّ واقعة على المعنى كما تقول : لبست من الثياب ، وأكلت من الطعام ، ولم يقع لننزعن على أيّهم فينصبها. وقال الفراء : المعنى ثم لننزعن بالنداء. ومعنى لننزعن لننادين إذا كان معناه لننزعن بالنداء. قال أبو جعفر : وحكى أبو بكر بن شقير أنّ بعض الكوفيين يقول :
في أيّهم معنى الشرط والمجازاة ، فلذلك لم يعمل فيها ما قبلها ، والمعنى ثم لننزعن من كلّ فرقة إن تشايعوا أو لم يتشايعوا كما تقول : ضربت القوم أيّهم غضب ، والمعنى : إن غضبوا أو لم يغضبوا ، فهذه ستة أقوال ، وسمعت علي بن سليمان يحكي عن محمد بن يزيد قال : أيّهم متعلّق بشيعة فهو مرفوع لهذا ، والمعنى : ثم لننزعن من الذين تشايعوا
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ١٩٦ ، ومختصر ابن خالويه ٨٦.
(٢) انظر الكتاب ٢ / ٤٢٠.
(٣) الشاهد للأخطل في ديوانه ٦١٦ ، والكتاب ٢ / ٨١ ، وتذكرة النحاة ٤٤٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٥٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٤٨٨ ، وشرح المفصّل ٣ / ١٤٦ ، ولسان العرب (ضمر) ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٧١٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٨٠ ، وشرح المفصّل ٧ / ٨٧.
(٤) انظر الكتاب ٢ / ٤٢٠.