أيهم ، أي من الذين تعاونوا فنظروا أيّهم أشدّ على الرحمن عتيا. وهذا قول حسن. وقد حكى الكسائي : إنّ التشايع التعاون ، «عتيا» على البيان.
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) قد ذكرنا فيه أقوالا : قال خالد بن معدان : إذا دخل أهل الجنة قالوا : يا ربنا إنك وعدتنا أن نرد النار ، فيقال لهم : إنكم وردتموها وهي خامدة.
قال أبو جعفر : ومن أحسن ما قيل فيه ، أعني في الآية ـ أن المعنى : وإن منكم إلّا وارد القيامة لأن الله جلّ وعزّ قال في المؤمنين : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) [الأنبياء : ١٠٨] ، وقال جلّ ثناؤه : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [المائدة : ٦٩ والأنعام : ٤٨] ودلّ على أنّ المضمر للقيامة (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) فالحشر إنما هو في القيامة ثم قال جلّ وعزّ : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) واسم كان فيها مضمر أي كان ورودها. فأما (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) فالإضمار للنار لأنها في القيامة فكنى عنها لمّا كانت فيها. وهذا من كلام العرب الفصيح الكثير. وقرأ عاصم الجحدري ومعاوية بن قرة (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) (١) بفتح الثاء ، وقرأ ابن أبي ليلى ثمة (٢) :
«ثم» ظرف إلّا أنه مبني لأنه غير محصّل فبني كما بني «ذا» والهاء يجوز أن تكون لبيان الحركة فتحذف لأن الحركة في الوصل بيّنة ، ويجوز أن تكون لتأنيث البقعة فتثبت في الوصل تاءا.
(خَيْرٌ مَقاماً) منصوب على البيان ، وكذا (نَدِيًّا) وكذا (أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) فيه خمس قراءات (٣) : قرأ أهل المدينة وريّا بغير همز ، وقرأ أهل الكوفة وأبو عمرو (وَرِءْياً) بالهمز ، وحكى يعقوب أنّ طلحة قرأ وريا بياء واحدة مخفّفة وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس هم أحسن أثاثا وزيّا بالزاي فهذه أربع قراءات ، قال أبو إسحاق ويجوز هم أحسن أثاثا وريئا بياء بعدها همزة. قال أبو جعفر : قراءة أهل المدينة في هذا حسنة ، وفيها تقديران : أحدهما أن يكون «من رأيت» ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء. وكذا هذا حسنا لتتّفق رؤوس الآيات
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ١٩٨.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ١٩٨.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ١٩٨ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤١١ ، ومعاني الفراء ٢ / ١٧١ ، والمحتسب ٢ / ٤٣.