أنّ منهم من كان إذا تلي القرآن وهو حاضر سدّ أذنيه لئلّا يسمع فلمّا بيّن جلّ وعزّ الدلالة عليه قال : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) أي الذي فعل هذه الأشياء قادر على أن يبعثكم ، وأجمع القراء على فتح التاء هاهنا في «تخرجون» واختلفوا في التي في «الأعراف» فقرأ أهل المدينة (وَمِنْها تُخْرَجُونَ) [الأعراف : ٢٥] ، وقرأ أهل العراق بالفتح ، وإليه يميل أبو عبيد والمعنيان متقاربان إلّا أن أهل المدينة فرقوا بينهما لنسق الكلام ، فنسق الكلام في التي في «الأعراف» بالضم أشبه إذ كان الموت ليس من فعلهم ، فكذا الإخراج والفتح في سورة الروم أشبه بنسق الكلام أي إذا دعاكم خرجتم أي أطعتم فالفعل بهم أشبه.
قال أبو الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «كلّ قنوت في القرآن فهو طاعة» (١) قال أبو جعفر : المعنى كلّ من في السّموات والأرض له مطيعون طاعة انقيادهم على ما شاء من صحّة وسقم وغنى وفقر ، وليست هذه الطاعة التي يجازون عليها.
(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) وقد ذكرناه. (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي ما أراده جلّ وعزّ كان ، وقال الخليل رحمهالله : المثل الصفة.
(شُرَكاءَ) في موضع رفع و (مِنْ) زائدة للتوكيد. (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) مبتدأ وخبر وليست سواء هاهنا التي تكون ظرفا. (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) نصب بالفعل والكاف والميم في موضع خفض ، وهي أيضا في موضع رفع في التأويل كما تقول : عجبت من ضربكم عمرا. ويجوز من ضربكم عمرو لأن المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول به ، وتقول : عجبت من وقع أنيابه بعضها على بعض ، وإن شئت رفعت لأن أنيابه في موضع رفع في التأويل إلّا أن الرفع في الظاهر قبيح عند الكوفيين ، فإن قلت : عجبت من وقعها بعضها على بعض ، حسن الرفع عند الجميع (كَذلِكَ) الكاف في موضع نصب ، والتقدير : نفصّل الآيات تفصيلا كذلك.
__________________
(١) انظر تفسير القرطبي ١٤ / ٢٠ ، و ١٥ / ٢٣٩.