(أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وقتادة أو لمن نهد لهم (١) بالنون فهذه قراءة بيّنة. والقراءة الأولى بالياء فيها إشكال لأنه يقال : الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل ليهد فتكلّم النحويون في هذا فقال الفراء (٢) : «كم» في موضع رفع بيهد.
وهذا نقض لأصول النحويين في قولهم : إنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولا في كم بوجه أعني ما قبلها. ومذهب أبي العباس أنّ يهد يدلّ على الهدى فالمعنى أو لم يهد لهم الهدى ، وقيل : المعنى أو لم يهد الله لهم فيكون معنى الياء ومعنى النون واحدا ، وقال أبو إسحاق : كم في موضع نصب بأهلكنا. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) في موضع نصب بأنّ. (أَفَلا يَسْمَعُونَ) بمعنى أفلا يقبلون مثل : سمع الله لمن حمده.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : هي أرض اليمن ، وقال سفيان وحدّثني معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : هي أبين (٣) ، وقال الحكم بن أبان عن عكرمة «إلى الأرض الجرز» قال :
هي الظّمأى ، وقال جويبر عن الضحاك (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) قال : الميتة العطشى ، وقال الفراء (٤) : هي التي لا نبات فيها ، وقال الأصمعي : الأرض الجرز التي لا تنبت شيئا. قال محمد بن يزيد : يبعد أن تكون إلّا أرضا بعينها لدخول الألف واللام إلّا أنه يجوز على قول ما قال ابن عباس والضحاك. قال أبو جعفر : الإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه ، وهذا إنما هو نعت ، والنعت للمعرفة يكون بالألف واللام. وهو مشتق من قولهم : رجل جروز إذا كان لا يبقي شيئا إلّا أكله. وحكى الفراء (٥) وغيره أنه يقال : أرض جرز وجرز وجرز ، وكذلك بخل ورعب ورهب في الأربعة أربع لغات (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) يكون معطوفا على نسوق ، أو منقطعا مما قبله (تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ) في موضع نصب على النعت. (وَأَنْفُسُهُمْ) أي ويأكلون منه. والنفس في كلام العرب
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٢٠٠ ، ومختصر ابن خالويه ١١٨.
(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٣٣.
(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٢٠٠ (وقال ابن عباس : هي أرض أبين من اليمن ، وهي أرض تشرب بسيول لا تمطر).
(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٣٣.
(٥) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٣٣.