يجعل للإنسان قلبين قلبا يخلص به لله جلّ وعزّ وقلبا يميل به إلى أعدائه. (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ) (١) (مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) مفعولان وهو مشتق من الظهر لأن الظهر موضع الركوب. وكانت العرب تطلق بالظّهار. (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) أهل التفسير على أن هذا نزل في زيد بن حارثة. وفي الحديث أن خديجة رضي الله عنها وهبته لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فجاء أبوه حارثة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : خذ مني فداه فقال له : أنا أخيّره فإن أراد أن يقيم عندي أقام ، وإن اختارك فخذه فاختار المقام فأعتقه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقال : «هو ابني يرثني وأرثه» (٢) ، ثم أنزل الله جلّ وعزّ (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) أي ادعوهم لآبائهم. قال ابن عمر : ما كنا ندعوه إلّا زيد بن محمد فنسب كلّ دعيّ إلى أبيه.
(ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) ابتداء وخبره أي هو قول بلا حقيقة. (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) أي القول الحقّ نعت لمصدر ، ويجوز أن يكون مفعولا.
(فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) أي فهم إخوانكم (وَمَوالِيكُمْ) عطف عليه.
(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) قول قتادة هو أن ينسب الرجل إلى غير أبيه ، وهو يرى أنه أبوه. قال أبو جعفر : وقد قيل : إنّ هذا مجمل أي وليس عليكم جناح في شيء أخطأتم به ، وكانت فتيا عطاء على هذا إذا حلف رجل ألّا يفارق غريمه حتى يستوفي منه حقّه فأخذ منه ما يرى أنه جيد من دنانير فوجدها زجاجا أنه لا شيء عليه ، وكذا عنده إذا حلف أنه لا يسلّم على فلان فسلّم عليه وهو لا يعرفه أنه لا يحنث ؛ لأنه لم يعمد لذلك. (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) «ما» في موضع خفض ردّا على «ما» التي مع أخطأتم ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ ، والتقدير : ولكن الذي تؤاخذون به ما تعمدت قلوبكم.
(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) في معناه قولان : أحدهما النبي أولى بالمؤمنين من بعضهم لبعض مثل (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤] ، والآخر أنه إذا أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) انظر القراءات التسعة في البحر المحيط ٧ / ٢٠٧ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥١٩.
(٢) انظر زاد المسير ٦ / ٣٥١ ، وابن كثير ٣ / ٤٦٨ ، والقرطبي ١٤ / ٧٩.