(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) قال أحمد بن يحيى خبر «إنّ». (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ).
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) هذه الآية مشكلة لأنه قال جلّ وعزّ (اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ثم قال جلّ وعزّ (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) وقد كنا ذكرناها إلّا أنا نبيّنها هاهنا بغاية البيان وقد تكلم جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فمن أصحّ ما روي في ذلك ما قرئ على أبي بكر محمد بن جعفر ابن الإمام عن يوسف بن موسى عن وكيع بن الجراح قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) قال : الكافر ، وقرئ على أحمد بن شعيب عن الحسين بن حبيب عن الفضل بن موسى عن حسين عن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس (١) في قول الله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) قال : نجت فرقتان. فهذا قول : ويكون التقدير في العربية «فمنهم» فمن عبادنا «ظالم لنفسه» أي كافر ، وقال الحسن : أي فاسق ، ويكون الضمير الذي في يدخلونها يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم. فأما معنى «الذين اصطفينا من عبادنا» ففيه قولان : أحدهما أن الذين اصطفوا هم الأنبياء صلوات الله عليهم أي اختيروا للرسالة ، وقيل : المعنى الذين اصطفوا لإنزال الكتاب عليهم فهذا عام ، وقيل الضمير في (يَدْخُلُونَها) يعود على الثلاثة الأصناف على أن لا يكون الظالم هاهنا كافرا ولا فاسقا ، فمن روى عنه هذا القول أعني أنّ الذين يدخلونها هذه الثلاثة الأصناف عمر وعثمان وأبو الدرداء وابن مسعود وعقبة بن عمرو وعائشة رضي الله عنهم. ولو لا كراهة الإطالة لذكرنا ذلك بأسانيده وإن كانت ليست مثل الأسانيد الأولى في الصحة وهذا القول أيضا صحيح عن عبيد بن عمرو وكعب الأحبار وغيرهما من التابعين والتقدير على هذا القول : أن يكون الظالم لنفسه الذي عمل الصغائر ، والمقتصد : قال محمد بن يزيد : هو الذي يعطي الدّنيا حقّها ، والآخرة حقّها فيكون «جنّات عدن يدخلونها» عائدا على الجميع على هذا الشرح والتبيين. وفي الآية قول ثالث يكون «الظالم» صاحب الكبائر ، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته. فيكون «جنّات عدن يدخلونها» الذين سبقونا بالخيرات لا غير. وهذا قول
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٢٢ / ١٣٥.