إلا مبتدأ وخبر ، وقد قلنا : إن القراءتين صحيحتان ومجاز «ضنين» أنّ من العلماء من يضن بعلمه ، وفي الحديث «من كتم علما لجمه الله بلجام من نار» (١) فأخبر الله عن نبيهصلىاللهعليهوسلم أنه ليس بضنين بشيء من أمر الدين ، وأنه لا يخصّ به أحدا دون أحد على خلاف ما يقول قوم أنه خصّ الإمام بما لم يلقه إلى غيره.
(وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) (٢٥)
لو حذفت الباء لنصبت لشبه «ما» بليس.
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٢٦)
ذكر الفرّاء (٢) أن المعنى فإلى أين تذهبون وحذفت «إلى» كما يقال : ذهبت الشام وذهبت إلى الشام ، وانطلقت إلى السوق وانطلقت السّوق ، وخرجت الشام وإلى الشام ، وحكى الكسائي : انطلق به الغور ، والتقدير عنده : إلى الغور فحذفت «إلى» فجعل الكوفيون هذه الأفعال الثلاثة انطلق وذهب وخرج يجوز معها حذف إلى ، وقاسوا على ما سمعوا من ذلك زعموا. فأما سيبويه فحكى منها واحدا ولا يجيز غيره وهو ذهبت الشام ، ولا يجيز ذهبت مصر ، وعلى هذا قول البصريين لا يقيسون من هذا شيئا. وروى أبو العباس على هذا شيئا فزعم أن قولهم : ذهبت الشام ومعناه الإبهام أي ذهبت شامة الكعبة ، غير أن هذا إنما يرجع فيه إلى قول من حكى ذلك عن العرب ولم يحكه سيبويه إلا على أنه الشام بعينها.
(إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٢٧)
أي ما في القرآن إلا عظة وتذكرة للعالمين.
(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٢٨)
(لِمَنْ) بدل من العالمين على إعادة اللام ، ولو كان بغير لام لجاز. قال مجاهد : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٢٨) أي أن يتبع الحق.
(وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٩)
(وَما تَشاؤُنَ) في معناه قولان أحدهما وما تشاؤون أن تستقيموا أي تتّبعوا الحقّ (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) والقول الآخر أنه منهم أي ما تشاؤون يشاء من الطاعة والمعصية (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ذلك منكم ، ولو لم يشأ لحال بينكم وبينه.
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة في سننه باب ٢٤ الحديث (٢٦١) والدارمي في سننه ١ / ٧٣ ، وأبو داود في سننه الحديث (٣٦٥٨).
(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٤٣.