حرّكت المضمرات ولم تحرّك المبهمة؟ : إن المضمرات في مواضع الأسماء المعربة وكانت لها مزيّة فحرّكت. قال أبو جعفر : وسمعت أبا بكر بن شقير يحكي هذا ، وهو جواب حسن محصّل فأما الفرّاء فخلط الجميع فقال : من قال : هو زيد ، بإسكان الواو قال : هذا زيد ، ومن قال : هو زيد ، قال : هذا أي زيد ، ومن قال : هو زيد ، بتشديد الواو قال هذاه زيد. قال أبو جعفر : وبيان التخطيط في هذا بيّن لأن قولك : هو بإسكان الواو لغة شاذة ، وقولك : هذا لغة بها جاء القرآن فكيف تحاذي إحداهما الأخرى إلا أن يتجازيا من جهة أخرى على قوله وذلك أن قولك : هو ، الاسم منه عنده الهاء ، والاسم من هذا الذال ، وهذا قوله بلا اختلاف عنه. ومن التخليط أن قولك هذّاه الهاء عنده فيه لبيان الحركة وقد أثبتها في الوصل. وزعم الفرّاء : أن الدليل على أن الاسم الذال في هذا قول العرب في التثنية هذان فأسقطوا الألف. وهذا لا يلزم لأن الألف إنما سقطت في التثنية لالتقاء الساكنين ولم يجز قلبها فيقال : هذيان ولا هذوان ؛ لأنه لا يعلم أنها منقلبة من ياء ، ولا واو فتقلب إلى إحداهما فلم يبق إلا الحذف. (الْبَلَدِ الْأَمِينِ) نعت وإن شئت بدل ، وإن شئت عطف البيان. وزعم الفرّاء (١) إن الأمين بمعنى الآمن ، وأنشد :] الطويل]
٥٧٥ ـ ألم تعلمي يا أسم ويحك أنّني |
|
حلفت يمينا لا أخون أميني (٢) |
قال أبو جعفر : وخولف الفرّاء في هذا فقيل : أمين بمعنى مأمون في الآية والبيت جميعا.
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤)
تكلّم العلماء في معناه فعن ابن عباس قال : خلق كل شيء منكبّا إلّا الإنسان وقال عكرمة (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) الشباب والقوة والجلد ، وقال مجاهد والنخعي (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) في أحسن صورة. وهذا أحسن ما قيل فيه ؛ لأن التقدير في العربية : في تقويم أحسن تقويم أقيم مقام المنعوت أي في تقويم أعدل تقويم وصورة.
(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥)
فيه اختلاف أيضا. فعن ابن عباس إلى أرذل العمر ، وعن عكرمة إلى النار ، وزعم محمد بن جرير : إن الصّواب إلى أرذل العمر أي إلى الهرم ، ويكون هذا لخاص من الناس ، واستدل على صواب هذا إن الله جلّ وعزّ إنما عدد ما شاهدوه من قدرته من
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٧٦.
(٢) الشاهد بلا نسبة في مقاييس اللغة ١ / ١٣٤ ، وتاج العروس (أمن) ، ومعاني الفراء ٣ / ٢٧٦ ، وتفسير الطبري ٣٠ / ٢٤١.