وأبو عمرو (وَدًّا) بفتح الواو وهو اختيار أبي عبيد واحتجّ بقولهم عبد ودّ وأن الصنم اسمه ودّ. قال أبو جعفر : وهذا من الاحتجاجات الشاذة ، والمتعارف عكس ما قال إنما يقال : عبد ودّ فإن كان من جهة التعارف فهو هذا ، وإن كان من جهة الأشبه فالأشبه أن يسمّى بودّ مشتقّ من الوداد ، وهو السهولة واللين ، ومنه وددت الرجل أحببته ووددته إذا بررته ، ووددت أن ذلك الشيء لي أي تمنيت بسهولة وتسميتهم الصنم ودّا من هذا (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) لم ينصرف يغوث ويعوق لشبههما الفعل المستقبل ، وقرأ الأعمش «ولا يغوث ويعوق» بالصرف ، وفي حرف عبد الله فيما روى (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) قال أبو جعفر : هذا عند الخليل وسيبويه لحن وهو أيضا مخالف للسواد الأعظم وزعم الفراء (١) : أنّ ذلك يجوز صرفه لكثرته أو كأنه نكرة ، وهذا ما لا يحصل ؛ لأنه ليس إذا كثر الشيء صرف فيه ما لا ينصرف على أنه لا معنى لقوله : لكثرته في اسم صنم ، ولا معنى لأن يكون نكرة ما كان مخصوصا مثل هذا. وقد زاد الكسائي على هذا فقال : العرب تصرف كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك. قال محمد بن يزيد : هذا خطأ لأنهم قد صرفوا خيرا منك وشرّا منك ومعها منك.
(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً) (٢٤)
(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) ويجوز في غير القرآن وقد أضللن وقد أضلّت (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) قيل : المعنى : لا توفقهم ، وقيل : إلا ضلالا عن الثواب وطريق الجنة.
(مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) (٢٥)
«ما» زائدة للتوكيد ، ولا يجوز عند البصريين غير ذلك ، والكوفيون يقولون : صلة ثم يرجعون في بعض المواضع إلى الحقّ وهذا منها زعم الفراء (٢) أن «ما» هاهنا تفيد ؛ لأن المعنى من أجل خطيئاتهم أغرقوا ؛ واحتجّ بأنّ «ما» تدل على المجازاة ، وذكر حيثما تكن أكن ، وذكر كيف وأين هذا في كتابه «في معاني القرآن» ومذهبه في هذا حسن لو لا ما فيه من التخطيط. ذكر حيثما وهي لا يجازى بها إلّا ومعها «ما» وذكر «كيف» وهي لا يجازى بها البتة ، وذكر «أين» وهي يجازى بها مع «ما» وبغير «ما» ، فجمع بين ثلاثة أشياء مختلفة.
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢٦)
أي أحدا وهو من دار يدور أي أحدا يدور ، وقيل : ديّار صاحب دار.
(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً) (٢٧)
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٩.
(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٨٩.