هاهنا زائدة وتكون «أن» للشرط والمجازاة على أن يكون المعنى إنّا هديناه السبيل إن شكر أو كفر. قال أبو جعفر : وهذا القول ظاهره خطأ لأن «إن» التي للشرط لا تقع على الأسماء وليس في الآية إما شكر إنما فيها إما شاكرا وإما كفورا. فهذان اسمان ، ولا يجازى بالأسماء عند أحد من النحويين.
(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) (٤)
هذه قراءة أبي عمرو وحمزة بغير تنوين إلّا أن الصحيح عن حمزة أنه كان يقف «سلاسلا»(١) بالألف اتباعا للسواد ؛ لأنها في مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة بالألف ، وقراءة أهل المدينة وأهل الكوفة غير حمزة «إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا» والحجّة لأبي عمرو وحمزة أن «سلاسل» لا ينصرف ؛ لأنه جمع لا نظير له في الواحد ، وهو نهاية الجمع فثقل فمنع الصرف ، والوقوف عليه بالألف والحجة فيه أن الرؤاسي والكسائي حكيا عن العرب الوقوف على ما لا ينصرف بالألف لبيان الفتحة فقد صحّت هذه القراءة من كلام العرب. والحجّة لمن لوّن ما حكاه الكسائي وغيره من الكوفيين أن العرب تصرف كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك. فهذه حجة وحجة أخرى أن بعض أهل النظر يقول : كل ما يجوز في الشعر فهو جائز في الكلام ؛ لأن الشعر أصل كلام العرب فكيف نتحكّم في كلامها ونجعل الشعر خارجا عنه؟ وحجة ثالثة أنه لما كان إلى جانبه جمع ينصرف فأتبع الأول الثاني.
(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) (٥)
واحد الأبرار برّ ربّما غلط الضعيف في العربية فقال : هو جمع فعل شبّه بفعل وذلك غلط. إنما هو جمع فعل يقال : بررت والدي فأنا بارّ وبرّ فبرّ فعل مثل حذرت فأنا حذر ، وفعل وأفعال قياس صحيح. وقيل : إنما سمّوا أبرارا لأنهم برّوا الله جلّ وعزّ بطاعته في أداء فرائضه واجتناب محارمه. وقيل : معنى (كانَ مِزاجُها كافُوراً) في طيب ريحها.
(عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) (٦)
(عَيْناً) في نصبها غير وجه أني سمعت علي بن سليمان يقول : سمعت محمد بن يزيد يقول : نظرت في نصبها فلم يصحّ لي فيه إلا أنها منصوبة بمعنى أعني ، وكذا الثانية فهذا وجه ، ووجه ثان أن يكون بمعنى الحال من المضمر في مزاجها ، ووجه رابع يكون مفعولا بها ، والتقدير يشربون عينا يشرب بها عباد الله كان مزاجها كافورا. وفي
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٧٦ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٨٧.