القدح (كانَتْ قَوارِيرَا) (١) قراءة أبي عمرو الثاني بغير ألف وفرق بينهما لجهتين : أحداهما أنه كذا في مصاحف أهل البصرة ، والثانية أن الأولى رأس آية فحسن إثبات الألف فيها. فأما حمزة فقرأ «كانت قوارير قوارير من فضّة» لأنهما لا ينصرفان فهذا شيء بيّن لو لا مخالفة السواد ، وقرأ المدنيون فيهما جميعا ، والذي يحتجّ به لهم لا يوجد إلا من قول الكوفيين وهو أن الكسائي والفراء أجازا صرف ما لا ينصرف إلّا أفعل منك واحتجّ الفراء بكثرة ذلك في الشعر.
(قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً) (١٦)
(قَدَّرُوها تَقْدِيراً) عن الشّعبي وقتادة وابن أبزى وعبد الله بن عبيد بن عمير أنهم قرءوا (قَدَّرُوها) (٢) أي قدّروا عليها أي على قدر ربّهم لا يزيد ذلك ولا ينقص.
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) (١٧)
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً) قال أبو الحسن بن كيسان : لا يقال للقدح : كأس حتّى تكون فيه الخمر وكذا لا يقال : مائدة للخوان حتى يكون عليه طعام ، وكذا الظعينة (كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) أي كالزّنجبيل في لذعه وكانوا يستطيبون ذلك فخوطبوا على ما يعرفون.
(عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) (١٨)
(عَيْناً) قد تقدّم ما يغني عن الكلام في نصبها (تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) فعلليل من السّلاسة ، ومن قال : هو اسم العين صرف ما لا يجب أن ينصرف.
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) (١٩)
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي بما يحتاجون إليه. (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) أهل التفسير على أن المعنى في هذا التشبيه لكثرتهم وحسنهم ، وقال عبد الله بن عمر : ما أحد من أهل الجنة إلّا له إلف غلام كلّ غلام على عمل ليس عليه صاحبه.
(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) (٢٠)
(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) لأهل العربية فيه ثلاثة أقوال : فأكثر البصريين يقول : «ثمّ» ظرف ، ولم تعدّ رأيت كما تقول : ظننت في الدار فلا تعدّى ظننت على قول سيبويه (٣) ، وقال الأخفش ، وهو أحد قولي الفراء (٤) : «ثمّ» مفعول بها أي فإذا نظرت ثمّ وقول آخر
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢١٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٨٩.
(٢) انظر الكتاب ١ / ١٨٠.
(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٢١٨.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ٢ / ١٣ ، والطبري في تفسيره ١٩ / ١٢٠ ، وابن كثير في تفسيره ٨ / ٣٠٥.