(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (٢٩)
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) قيل : أي هذه الأمثال والقصص (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي فمن شاء اتّخذ إلى رضاء ربه طريقا بطاعة الله عزوجل والانتهاء عن معاصيه.
(وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (٣٠)
(وَما تَشاؤُنَ) (١) اتّخاذ السبيل إلا بأن يشاء الله ذلك لأن المشيئة إليه ، وحذفت الباء فصارت «أن» في موضع نصب ومن النحويين من يقول : هي في موضع خفض. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) أي بما يشاء أن يتّخذ إلى رضاه طريقا (حَكِيماً) في تدبيره ، لا يقدر أحد أن يخرج عنه.
(يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٣١)
(يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي بأن يوفّقه للتوبة فيتوب فيدخل الجنة. (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) نصب الظالمين عند سيبويه بإضمار فعل يفسره ما بعده أي ويعذّب الظالمين. وأما الكوفيون فقالوا : نصبت لأن الواو ظرف للفعل أي ظرف لأعدّ. قال أبو جعفر : وهذا يحتاج إلى أن يبيّن ما الناصب ، وقد زاد الفراء (٢) في هذا إشكالا فقال : يجوز رفعه وهو مثل (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ)] الشعراء : ٢٢٤] . قال أبو جعفر: وهذا لا يشبه من ذلك شيئا إلا على بعد. لأن قبل هذا فعلا فاختير فيه النصب ليضمر فعلا ناصبا فيعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل ، والشعراء ليس يليهم فعل ، وإنما يليهم مبتدأ وخبره. قال جلّ وعزّ:
(وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ)] الشعراء : ٢٢٣] وهاهنا يدخل من يشاء في رحمته ويجوز الرفع على أن يقطعه من الأول. قال أبو حاتم حدثني الأصمعي. قال : سمعت من يقرأ :
«والظّالمون أعدّ لهم عذابا أليما» بالرفع ، وفي قراءة عبد الله «وللظّالمين أعدّ لهم عذابا أليما» (٣) بتكرير اللام.
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٢٠.
(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٢٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٩٣.
(٣) مرّ الشاهد رقم (٥١).