فصل في أصول التصوف
أكل الحلال والاقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسنته. ومن لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مضبوط بالكتاب والسنة. أخذ هذا المذهب بالورع والتقوى لا بالدعاوى.
التصوف : أوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة. فالعلم : يكشف عن المراد ، والعمل : يعين على الطلب ، والموهبة : تبلغ غاية الأمل.
وأهله على ثلاث طبقات : مريد طالب ، ومتوسط سائر ، ومنته واصل. فالمريد صاحب وقته ، والمتوسط صاحب حال ، والمنتهي صاحب يقين ، وأفضل الأشياء عندهم عد الأنفاس. فمقام المريد المجاهدات والمكابدات وتجرع المرارات ومجانبة الحظوظ وما على النفس فيه تبعة. ومقام المتوسط ركوب الأهوال في طلب المراد ومراعاة الصدق واستعمال الأدب في المقامات وهو مطالب بآداب المنازل وهو صاحب تلوين ، لأنه ينتقل من حال الى حال وهو الزيادة. ومقام المنتهي الصحو والثبات وإجابة الحق من حيث دعاه قد تجاوز المقامات ، وهو في محل التمكين لا تغيره الأهوال ولا تؤثر فيه الأحوال. قد استوى في حال الشدة أو الرخاء والمنع والعطاء والجفاء والوفاء. أكله كجوعه ونومه كسهره. قد فنيت حظوظه وبقيت حقوقه ظاهرة مع الخلق ، وباطنه مع الحق كل ذلك من أحوال النّبي صلىاللهعليهوسلم. المنتهي لو نصب له سنان في أعلى شاهق في الأرض وهبت له الرياح الثمانية ما حركت منه شعرة واحدة. وقيل : سموا صوفية لأنهم وقفوا في الصف الأول بين يدي الله عزوجل بارتفاع هممهم وإقبالهم على الله تعالى بقلوبهم ووقوفهم بين يديه بسرائرهم.
فصل في الملامتية
حكم الملامتي أن لا يظهر خيرا ولا يضمر شرا. وشرح هذا : هو أن الملامتي تشربت عروقه طعم الإخلاص وتحقق بالصدق فلا يحب أن يطلع أحد على حاله وأعماله. والملامتية لهم مزيد اختصاص بالتمسك بالإخلاص يرون كتم الأحوال ويتلذذون بكتمها حتى لو ظهرت أعمالهم وأحوالهم لأحد استوحشوا من ذلك ، كما يستوحش العاصي من ظهور معصيته. فالملامتي عظّم موقع الإخلاص وموضعه وتمسك به معتمدا به. والصوفي غاب في إخلاصه. قال أبو يعقوب السوسي : متى شهدوا في إخلاصهم الإخلاص احتاج إخلاصهم الى إخلاص. قال بعضهم : صدق الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر الى الحق ، والملامتي يرى الخلق فيخفي عمله وحاله. قال جعفر الخلدي : سألت أبا القاسم الجنيد قلت : بين الإخلاص والصدق فرق؟ قال : نعم الصدق أصل وهو الأول والإخلاص فرع وهو تابع. وقال : بينهما فرق لأن الإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في العمل. ثم قال : إنما هو