القلب بالشيخ واستفادة علم الواقعات منه بفناء تصرفه في تصرف الشيخ ، ودوام نفي الخواطر ، ودوام ترك الاعتراض على الله تعالى في كل ما يرد منه عليه ضرا كان أو نفعا وترك السؤال عنه من جنة أو تعوذ من نار.
والفرق بين الوجود والنفس والشيطان في مقام المشاهدة : أن الوجود شديد الظلمة في الأول ، فإذا صفا قليلا تشكل قدامك بشكل الغيم الأسود فإذا كان عرش الشيطان كان أحمر فإذا صلح وفني الحظوظ منه وبقي الحقوق صفا وابيض مثل المزن ، والنفس إذا بدت فلونها لون السماء وهي الزرقة ، ولها نبعان كنبعان الماء من أصل الينبوع. فإذا كانت عرش الشيطان فكأنها عين من ظلمة ونار ويكون نبعها أقل. فإن الشيطان لا خير فيه وفيضان النفس على الوجود وتربيته منها فإن صفت وزكت أفاضت عليه الخير وما نبت منه. فإن أفاضت عليه الشر فكذلك ينبت منه الشر ، والشيطان نار غير صافية ممتزجة بظلمات الكفر في هيئة عظيمة وقد يتشكل قدامك كأنه زنجي طويل ذو هيبة يسعى كأنه يطلب الدخول فيك. فإذا طلبت منه الانفكاك فقل في قلبك يا غياث المستغيثين أغثنا فإنه يفر عنك.
فصل في التصوف
حكم الصوفي أن يكون الفقر زينته والصبر حليته والرضى مطيته والتوكل شأنه. والله عزوجل وحده حسبه يستعمل جوارحه في الطاعات وقطع الشهوات والزهد في الدنيا والتورع عن جميع حظوظ النفس ، وأن لا يكون له رغبة في الدنيا البتة ، فإن كان ولا بدّ فلا تجاوز رغبته كفايته ويكون صافي القلب من الدنس ولها بحب ربه فارا الى الله تعالى بسره يأوي اليه كل شيء ، ويأنس به وهو لا يأوي الى شيء ، أي لا يركن الى شيء ولا يأنس بشيء سوى معبوده آخذا بالأولى والأهم والأحوط في دينه مؤثرا الله على كل شيء.
التصوف : طرح النفس في العبودية وتعلق القلب بالربوبية. وقيل : كتمان الفاقات ومدافعة الآفات.
وقال سهل بن عبد الله : الصوفي من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر واستوى عنده الذهب والمدر. وقيل : التصوف تصفية القلب عن مرافقة البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبيعية ، وإخماد صفات البشرية ، ومجانبة الدواعي النفسانية ، ومنازلة الصفات الروحانية ، والتعلق بالعلوم الحقيقية واتباع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الشريعة. وقيل : الصوفي هو الذي يكون دائم التصفية لا يزال يصفي الأوقات عن شوب الأكدار بتصفية القلب عن شوب النفس ومعينه على هذه دوام افتقاره الى مولاه ، فبدوام الافتقار يتفطن للكدر كلما تحركت النفس وظهرت بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها الى ربه ، فبدوام تصفيته جمعيته وبحركة نفسه تفرقته وكدره فهو قائم بربه على قلبه وقائم بقلبه على نفسه. قال الله تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) [المائدة : ٨] وهذه لله على النفس وهو تحقق بالتصوف.