فالفريضة : العزلة عن الشر وأهله. والفضيلة العزلة عن الفضول وأهله. وقيل : الخلوة غير العزلة ، والخلوة من الأغيار ، والعزلة من النفس وما تدعو إليه وتشغل عن الله. وقيل : السلامة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت وواحدة في العزلة. وقيل : الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت عما لا يعني. والعاشرة في العزلة عن الناس. كثير من ندم على الكلام وقلّ من ندم على السكوت. وقيل : الخلوة أصل والخلطة عارض ، فيلزم الأصل ولا يخالط إلا بقدر الحاجة ، وإذا خالط يلازم الصمت فإنه أصل.
وإذا صفا لك من زمانك واحد |
|
فهو المراد فأين ذاك الواحد |
وقيل : الخلوة بالقلب فيكون مستغرقا بكليته مع الحق تعالى معكوفا قلبه عليه مشغوفا به والها إليه متحققا كأنه بين يديه. قيل : أول مبادئ السالك أن يكثر الذكر بقلبه ولسانه بقوة حتى يسري الذكر في أعضائه وعروقه ، وينتقل الذكر إلى قلبه فحينئذ يسكت لسانه ويبقى قلبه ذاكرا يقول (الله الله) باطنا مع عدم رؤيته لذكره ، ثم يسكن قلبه ويبقى ملاحظا لمطلوبه مستغرقا به معكوفا عليه مشغوفا اليه مشاهدا له ، ثم يغيب عن نفسه بمشاهدته ، ثم يفني عن كليته بكليته حتى كأنه في حضرة (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر : ١٦] فحينئذ يتجلى الحق على قلبه فيضطرب عند ذلك ويندهش ويغلب عليه السكر وحالة الحضور والإجلال والتعظيم ، فلا يبقى فيه متسع لغير مطلوبه الأعظم. كما قيل : فلا حاجة لأهل الحضور الى غير شهود عوانه. وقيل في قوله تعالى : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) [البروج : ٣] فالشاهد : هو الله ، والمشهود : هو عكس جمال الحضرة الصمدية فهو الشاهد والمشهود.
فصل
يا حبيبي أطبق جفنيك وانظر ما ذا ترى ، فإن قلت لا أرى شيئا حينئذ فهو خطأ منك بل تبصر. ولكن ظلام الوجود لفرط قربه من بصيرتك لا تجده. فإن أحببت أن تجده وتبصره قدامك مع أنك مطبق جفنيك ، فانقص من وجودك شيئا أو أبعد من وجودك شيئا وطريق تنقيصه والإبعاد منه قليلا المجاهدة ومعنى المجاهدة بذل الجهد في دفع الأغيار أو قتل الأغيار والأغيار الوجود والنفس والشيطان. وبذل الجهد مضبوط بطرق :
الأول : تقليل الغذاء بالتدريج ، فإن مدد الوجود والنفس والشيطان من الغذاء ، فإذا قلّ الغذاء قلّ سلطانه.
والثاني : ترك الاختيار وإفنائه في اختيار شيخ مأمون ليختار له ما يصلحه ، فإنه مثل الطفل والصبي الذي لم يبلغ مبلغ الرجال أو السفيه المبذر. وكل هؤلاء لا بد لهم من وصي أو ولي أو قاض أو سلطان يتولى أمرهم.
والثالث : من الطرق طريقة الجنيد قدس الله روحه وهو ثمان شرائط. دوام الوضوء ، ودوام الصوم ، ودوام السكوت ، ودوام الخلوة ودوام الذكر وهو قول (لا إله إلا الله) ، ودوام ربط