وقيل : أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران عليهالسلام : «من مات تائبا من الغيبة فهو آخر رجل يدخل الجنة ، ومن مات مصرا عليها فهو أول من يدخل النار».
وقيل : دعي إبراهيم بن أدهم إلى دعوة فحضر فذكروا رجلا لم يأتهم بالغيبة.
فقال إبراهيم : إنما فعل بي هذا نفسي حيث حضرت موضعا يغتاب فيه الناس فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام.
وقيل : مثل الذي يغتاب الناس كمثل من نصب منجنيقا يرمي به حسناته شرقا وغربا.
وقيل : يؤتى العبد يوم القيامة كتابه فلا يرى فيه حسنة. فيقول : أين صلاتي وصيامي وطاعتي؟ فيقال : ذهب عملك باغتيابك الناس ، وقيل : من اغتيب بغيبة غفر الله له نصف ذنوبه.
وقيل : يعطى الرجل كتابه بيمينه فيرى فيه حسنات لم يعملها ، فيقال : هذا بما اغتابك الناس وأنت لم تشعر.
وقيل للحسن البصري : إن فلانا اغتابك فبعث إليه طبقا فيه حلوى وقال : بلغني أنك أهديت إليّ حسناتك فكافأتك.
وعن الجنيد قال : كنت ببغداد في مكان أنتظر جنازة أصلي عليها فلقيت فقيرا عليه أثر النسك يسأل الناس ، فقلت في نفسي : لو عمل هذا عملا يصون به نفسه كان أجمل به. فلما انصرفت إلى منزلي وكان لي شيء من الورد بالليل فلما قضيته ونمت رأيت ذلك الفقير جاءوا به على خوان ممدود ، وقالوا لي : كل لحمه فقد اغتبته فكشف لي عن الحال ، فقلت : ما اغتبته إنما قلت في نفسي. فقيل : ما أنت ممن يرضى منك بمثله اذهب واستحلله فأصبحت ولم أزل أتردد حتى رأيته يلتقط من الماء أوراقا من البقل مما يتساقط من غسل البقل ، فسلمت عليه ، فقال : يا أبا القاسم تعود؟ فقلت : لا فقال : غفر الله لنا ولك.
الباب السابع والثلاثون
في بيان الفتوة
الفتى من تخلى عن تدبير نفسه وماله وولده ووهب الكل لمن له الكل بل ليس له ما يهب فإنها ذهبت في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التوبة : ١١١]. تخلق بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠]. ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله تعالى شيئا إلا جمعه ، وما ترك الفحشاء والمنكر من معصة الله تعالى شيئا إلا جمعه. فتوة العامة بالأموال ، وفتوة الخاصة بالأموال والأفعال ، وفتوة خاص الخواص بهما وبالأحوال ، وفتوة الأنبياء بهما وبالأسرار ، وهو الذي ليس في باطنه دعوى ولا في ظاهره تصنع ومراءاة ، وسره الذي بينه وبين الله تعالى لا يطلع عليه صدره ، فكيف الخلق. ومن شأن الفتى النظر إلى الخلق بعين الرضى وإلى نفسه بعين السخط ومعرفة حقوق من هو فوقه ومثله ودونه ولا يتعرض لإخوانه بزلة أو حقرة أو كذب ، وينظر إلى الخلق كأنهم أولياء غير مستقبح منهم