إلا ما خالف الشرع مع أن ذلك ينسبه إلى الشيطان ذنبا لا إلى أخيه المسلم. فكيف إلى الله عزوجل مع أنه يغيره بيده ، فإن لم يستطع فبقلبه والإياس من الخلق وترك السؤال والتعريض وكتمان الفقر وإظهار الغنى وترك الدعوى وكتمان المعنى واحتمال الأذى ، وأن يؤثر مراد غيره على هواه خلقا وفعلا ، وأن لا يزال في حاجة غيره ويعطي بلا امتنان ولا يطالب أحدا بواجب حقه ويطالب نفسه بحقوق الناس ويرى الفضل لهم ويلزم نفسه التقصير في جميع ما يأتي به ، ولا يستكثر ما يأتي به ، ومن شأن الفتى ترك كل ما للنفس فيه حظ ، ويستوي عنده المدح والذم من العامة ، ومن شأنه الصدق والوفاء والسخاء والحياء وحسن الخلق وكرم النفس وملاطفة الإخوان ومجانبة سماع القبيح من الأصدقاء ، وكرم العهد بالوفاء والتباعد عن الحقد والحسد والغش ، ومن شأنه الحب والبغض في الله والتوسعة على الإخوان من ماله وجاهه إن أمكنه. وترك الامتنان عليهم بذلك وصحبة الأخيار ومجانبة الأشرار ، ويكون خصما على نفسه لربه ولا يكون له خصما غيرها فيجتهد في كسر هواها ، لأنه قيل : الفتى من كسر الأصنام وهي صنم الإنسان.
ومن شأن الفتى أن لا ينافر فقيرا لفقره ، ولا يعارض غنيا لغناه ، ويعرض عن الكونين ، ويستوي عنده المقيم والطارئ ، ومن يعرف ومن لا يعرف ، ولا تمييز بين الولي والكافر من جهة الأكل ، ولا يدخر ولا يعتذر ويظهر النعمة ويسر المحبة وإذا كان في عشرة فلا يتغير إن كان ما أتى به عشيره أقل أو أكثر ، وأن لا يحمّر وجه أحد فيما لم يندبه الشرع إليه. ولا يربح على صديق وما خرج عنه لا يرجع فيه وإن أعطى شكر وإن منع صبر ، بل إن اعطى آثر وإن منع شكر الفتوة أن لا يشتغل بالخلق عن الحق ، وفتوة العارف بمعروفه ، وفتوة غيره بمعتاده ومألوفه.
فصل في السخاء
السخاء : تقديم حظوظ الإخوان على حظك مطلقا دنيويا وأخرويا والمبادرة إلى الإعطاء قبل السؤال وترك الامتنان بما أعطى وتعجيله وتصغيره وتستيره ، بل بذل النفس والروح والمال على الخلق على غاية الحياء ، وأن يكره أن يرى ذلّ السؤال في وجوه المسلمين وسخاء النفس بما في أيدي الناس أكبر من سخائها بالبذل ومروءة القناعة ، والرضى أكبر من مروءة العطاء وأكبر من ذلك كله السخاء بالحكمة.
الباب الثامن والثلاثون
في بيان مكارم الأخلاق
قال تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : ١٩٩].
معناه تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك. وتصل من قطعك ، وتعرض عمن جهل عليك ، وتحسن إلى من أساء إليك ، فكان صلىاللهعليهوسلم مبعوثا بمكارم الأخلاق يقول : «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». ومن السخاء إفشاء السّلام. وإطعام الطعام ، وصلة الأرحام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، ونيل المكارم باجتناب المحارم. مكارم الأخلاق من أعمال أهل