الجنة قول لطيف يتبعه فعل شريف. مكافأة المحسن بأكثر من إحسانه. صاحب مكارم الأخلاق هو الذي لا يحوجك أن تسأله ولا يزال يعتذر ضد اللئيم الذي لا يزال يفتخر ، والتغافل عن زلل الإخوان والمسارعة إلى قضاء حوائجهم ، وطرح الدنيا لمن يحتاج إليها.
الباب التاسع والثلاثون
في بيان القناعة
قال الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧]. قال كثير من المفسرين : الحياة الطيبة في الدنيا القناعة : والقناعة موهبة من الله عزوجل. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «القناعة كنز لا يفنى». وعنه عليه الصلاة والسّلام : «من أراد صاحبا فالله يكفيه. ومن أراد مؤنسا فالقرآن يكفيه ، ومن أراد كنزا فالقناعة يكفيه ، ومن أراد واعظا فالموت يكفيه ، ومن لم يكفه هذه الأربع فالنار تكفيه». وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «كن ورعا تكن أعبد الناس ، وكن قنعا تكن أشكر الناس ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا ، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما ، وأقل من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب». وقيل في قوله تعالى : (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) [الحج : ٥٨]. يعني القناعة.
وقال وهب : إن العز والغنى خرجا يجولان فلقيا القناعة فاستقرا فيها.
وفي الزبور : «القانع غني وإن كان جائعا». وفي التوراة : «قنع ابن آدم فاستغنى اعتزل الناس فسلم ، ترك الحسد فظهرت مروءته ، تعب قليلا فاستراح طويلا». وقيل : وضع الله تعالى خمسة أشياء في خمسة مواضع : «العز في الطاعة ، والذل في المعصية ، والهيبة في قيام الليل ، والحكمة في البطن الخالي ، والغنى في القناعة».
وقال بعضهم : انتقم من حرصك بالقناعة كما تنتقم من عدوك بالقصاص. وقيل : من تبعت عيناه إلى ما في أيدي الناس طال حزنه. وقيل : إن أبا يزيد غسل ثوبه في الصحراء مع صاحب له فقال له صاحبه : نعلق الثياب في جدران الكروم فقال : لا تغرز الوتد في جدران الناس ، فقال : نعلقه في الشّجر. فقال لا ، لأنه يكسر الأغصان. فقال : نبسطه على الحشيش. فقال لا ، لأنه علف الدواب ، ثم ولّى بظهره للشمس والقميص على ظهره حتى جفّ جانبه ، ثم قلبه حتى جف الجانب الآخر.
الباب الأربعون
في بيان السائل
من سأل وعنده قوت يومه فقد قطع الطريق على الضعفاء والمساكين ، من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله تعالى الفقر بين عينيه وشتت شمله وأمره ولا يأتيه منها إلا ما كتب له ، ومن جعل الهموم هما واحدا كفاه الله