بالضرورة ، وبيانه أن إيجاز هذه الحجّة إن ربي مطلع والمطلع الإله فيلزم منه أن ربي إله فالمطلع صفة الرب ، وقد حكمنا على المطلع الذي هو صفته بالإلهية فلزم منه الحكم على ربي بالإلهية ، وكذلك في كل مقام حصلت لي معرفة بصفة الشيء وحصلت معرفة أخرى بثبوت حكم لتلك الصفة فيتولد منهما معرفة ثالثة بثبوت الحكم على الموصوف بالضرورة.
فقال : هذا يكاد دركه يدق على فهمي ، فإن تشككت فيه فما ذا أصنع حتى يزول الشك؟
قلت : خذ عيارة من الصنجة المعروفة عندك كما فعلت في ميزان الذهب والفضّة.
فقال : كيف آخذ عيارها ، وأين الصنجة المعروفة في هذا الفن؟
قلت : الصنجة المعروفة هي العلوم الأوليّة الضرورية المستفادة إما من الحس أو من التجربة أو غريزة العقل ، فانظر في الأوّليات هل تتصور أن يثبت حكم على صفة إلا ويتعدى إلى الموصوف ، فإذا مرّ بين يديك مثلا حيوان منتفخ البطن وهو بغل ، فقال قائل : هذا حامل ، فقلت له : ألم تعلم أن البغل عقيم لا يلد؟ فقال : نعم أعلم هذا بالتجربة. فقلت له : فهل تعلم أن هذا بغل؟ فنظر ، فقال نعم قد عرفت ذلك بالحسّ والإبصار. فقلت : فالآن هل تعرف أنه ليس بحامل فلا يمكنه أن يشكّ فيه بعد معرفة الأصلين اللذين أحدهما تجريبي والآخر حسي ، بل يكون العلم بأنه ليس بحامل علما ضروريا متولدا من بين العلمين السابقين كما تولد علمك في الميزان من العلم التجريبي بأن الثقيل هاو ، والعلم الحسي بأن إحدى الكفتين ليست هاوية بالإضافة إلى الأخرى.
فقال : قد فهمت هذا فهما واضحا ، ولكن لم يظهر لي أن سبب لزومه أن الحكم على الصفة حكم على الموصوف.
فقلت : تأمل فإن قولك : هذا بغل ، وصف والصفة هو البغل وقولك : كل بغل عقيم ، حكم على البغل الذي هو صفة بالعقم فلزم حكم بالعقم على الحيوان الموصوف بأنه بغل ، وكذلك إذا ظهر لك مثلا أن كل حيوان حساس ثم ظهر لك في الدود أنه حيوان فلا يمكنك أن تشك في أنه حساس ومنهاجه أن تقول : كل دود حيوان وكل حيوان حساس. فكل دود حساس لأن قولك كل دود حيوان وصف الدود بأنه حيوان ، والحيوان صفته ، فإذا حكمت على الحيوان بأنه حساس أو جسم أو غيره دخل فيه الدود لا محالة وهذا ضروري لا يمكن الشكّ فيه. نعم شرط هذا أن تكون الصفة مساوية للموصوف أو أعم منه حتى يكون الحكم عليه يشمل الموصوف به بالضرورة. وكذلك من سلم في النظر الفقهي ، أن كل نبيذ مسكر ، وكل مسكر حرام ، لم يمكنه أن يشك في أن كل نبيذ حرام لأن المسكر وصف النبيذ ، فالحكم عليه بالتحريم يتناول النبيذ إذ يدخل فيه الموصوف لا محالة ، فكذلك في جميع أبواب النظريات.
فقال : قد فهمت فهما ضروريا أن إيقاع الازدواج بين أصلين على هذا الوجه مولد لنتيجة ضرورية ، وأن برهان الخليل صلوات الله عليه برهان صحيح وميزانه ميزان صادق ، وتعلمت حده