بسم الله الرّحمن الرّحيم
خطبة الرسالة
الحمد لله الذي نوّر قلوب العارفين بذكره ، وأنطق ألسنتهم بشكره ، وعمر جوارحهم بخدمته ، فهم في رياض الأنس يرتعون وإلى أوكار المحبة يأوون ، ذكرهم فذكروه ، وأحبهم فأحبوه ، ورضي عنهم فرضوا عنه رأس مالهم الافتقار ونظام أمرهم الاضطرار ، علمهم دواء الذنوب ، وعرفهم طب القلوب ، فهم مصابيح أنوار حجته ، ومفاتيح خزائن حكمته ، إمامهم القمر الطالع ، وقائدهم النور الساطع ، سيد الموالي والعرب محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب ، والثمرة الزاكية من الشجرة المباركة ، التي أصلها التوحيد ، وفروعها التقوى ، (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ، يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النور : ٣٥]. (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠]. صلىاللهعليهوسلم صلاة تلوح في السّماوات آثارها وتعلو في جنان الخلد أنوارها ، وتطيب في مشاهد الأنبياء أخبارها ، وعلى آله الطاهرين وأصحابه المطهرين.
باب البيان نحو المريدين
يدور على ثلاثة أصول : الخوف والرجاء والحب ، فالخوف : فرع العلم ، والرجاء : فرع اليقين ، والحب : فرع المعرفة ، فدليل الخوف الهرب ، ودليل الرجاء الطلب ، ودليل الحب إيثار المحبوب ، ومثال ذلك الحرم والمسجد والكعبة ، فمن دخل حرم الإرادة أمن من الخلق ، ومن دخل المسجد أمنت جوارحه أن يستعملها في معصية الله تعالى ، ومن دخل الكعبة أمن قلبه أن يشتغل بغير ذكر الله عزوجل. فإذا أصبح العبد لزمه أن ينظر في ظلمة الليل ونور النهار ويعلم أن أحدهما إذا ظهر عزل صاحبه عن الولاية ، فكذلك نور المعرفة إذا ظهر عزل ظلمة المعاصي عن الجوارح ، فإن كانت حالته حالة يرضاها لحلول الموت شكر الله تعالى على توفيقه وعصمته ، وإن كانت حالته حالة يكره معها الموت انتقل عنها بصحة العزيمة وكمال الجهد وعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، كما أنه لا وصول إليه إلا به فندم على ما أفسد من عمره بسوء اختياره واستعان بالله على تطهير ظاهره من الذنوب وتصفية باطنه من العيوب ، وقطع زنار الغفلة عن قلبه ، وأطفأ نار الشهوة عن نفسه ، واستقام على طريق الحق وركب أمطية الصدق ، فإن النهار دليل الآخرة ، والليل دليل الدنيا ، والنوم شاهد الموت ، والعبد قادم على ما أسلف ونادم على ما خلّف ، يقول الله عزوجل : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة : ١٣].