باب العزلة
صاحب العزلة يحتاج إلى عشرة أشياء : علم الحق والباطل والزهد واختيار الشدة واغتنام الخلوة والسلامة والنظر في العواقب وأن يرى غيره أفضل منه ويعزل عن الناس شره ولا يفتر عن العلم ، فإن الفراغ بلاء ولا يعجب بما هو فيه ويخلو بيته من الفضول ، والفضول ما فضل عن يومك لأهل الإرادة ، ما فضل عن وقتك لأهل المعرفة ، ويقطع ما يقطعه عن الله تعالى ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحذيفة بن اليمان : " كن حلس بيتك". وقال عيسى ابن مريم عليهالسلام : أملك لسانك وليسعك بيتك وأنزل نفسك منزلة السبع الضاري والنار المحرقة ، وقد كان الناس ورقا بلا شوك فصاروا شوكا بلا ورق ، وكانوا أدواء يستشفى بهم فصاروا داء لا دواء له. قيل لداود الطائي: ما لك لا تخالط الناس؟ فقال : كيف أخالط من يتبع عيوبي كبير لا يعرف الخلق وصغير لا يوقر ، من استأنس بالله استوحش من غيره. وقال الفضيل : إن استطعت أن تكون في موضع لا تعرف ولا تعرف فافعل. وقال سليمان : همي من الدنيا أن ألبس عباءة وأكون بقرية ليس فيها أحد يعرفني ولا غذاء لي ولا عشاء ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : " يأتي زمان المتمسّك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر وله أجر خمسين منكم". وفي العزلة صيانة الجوارح وفراغ القلب وسقوط حقوق الخلق وإغلاق أبواب الدنيا وكسر سلاح الشيطان وعمارة الظاهر والباطن.
باب العبادة
أقبل على أداء الفرائض ، فإن سلم لك فرضك فأنت أنت ، واطلب بالنوافل حفظ الفرائض وكلما ازددت عبادة فازدد شكرا وخوفا. قال يحيى بن معاذ : عجبت لطالب فضيلة تارك فريضة ومن كان عليه دين فأهدى إلى صاحب الدين مثل حقه كان مطالبا بالحق إذا حلّ الأجل. وقال أبو بكر الورّاق : ابذل في هذا الزمان أربعة على أربعة : الفضائل على الفرائض ، والظاهر على الباطن ، والخلق على النفس ، والكلام على الفعل.
باب التفكر
تفكر في قوله عزوجل : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الدهر : ١]. واذكر كيف أحوالك واعتبر بما مضى من الدنيا على ما تراه ، هل أبقت على أحد ، وما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : " لم يبق من الدّنيا إلّا بلاء وفتنة". وقيل لنوح عليهالسلام : " كيف وجدت الدنيا يا أطول الأنبياء عمرا؟ قال : كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر". والفكرة أبو كل خير وهي مرآة تريك الحسنات والسيئات.