بسم الله الرّحمن الرّحيم
خطبة الرسالة
الحمد لله الذي زين قلوب خواص عباده بنور الولاية ، وربى أرواحهم بحسن العناية ، وفتح باب التوحيد على العلماء العارفين بمفتاح الدراية ، وأصلي وأسلم على سيّدنا محمّد سيّد المرسلين صاحب الدعوة والرعاية ، ودليل الأمة إلى الهداية ، وعلى آله سكان حرم الحماية.
العلم الغيبي اللدني
اعلم أن واحدا من أصدقائي حكى عن بعض العلماء أنه أنكر العلم الغيبي اللدني الذي يعتمد عليه خواصّ المتصوفة ، وينتمي إليه أهل الطريقة ، ويقولون إن العلم اللدني أقوى وأحكم من العلوم المكتسبة المحصلة بالتعلم ، وحكي أن ذلك المدعي يقول : بأني لا أقدر على تصوير علم الصوفية ، لا أظن أن أحدا في العالم يتكلم في العلم الحقيقي من فكر وروية دون تعلم وكسب ، فقلت : كأنه ما اطلع على طرق التحصيل ، وما درى أمر النفس الإنسانية وصفاتها وكيفية قبولها لآثار الغيب وعلم الملكوت ، فقال صديقي : نعم إن ذلك الرجل يقول بأن العلم هو الفقه وتفسير القرآن والكلام وحسب ، وليس وراءها علم وهذه العلوم لا تتحصل إلا بالتعلم والتفقه ، فقلت : نعم فكيف يعلم علم التفسير فإن القرآن هو البحر المحيط المشتمل على جميع الأشياء وليس جميع معانيه وحقائق تفسيره مذكورة في هذه التصانيف المشهورة بين العوام ، بل التفسير غير ما يعلم ذلك المدعي ، فقال ذلك الرجل : لا يعدّ التفاسير إلا التفاسير المعروفة المذكورة والمنسوبة إلى القشيري والثعلبي والماوردي وغيرهم ، فقلت : لقد بعد عن منهج الحقيقة ، فإن السلمي جمع شيئا في التفسير من كلمات المحققين شبه التحقيق ، وتلك الكلمات غير مذكورة في سائر التفاسير. وذلك الرجل الذي لا يعد العلم إلا الفقه والكلام. وهذا التفسير العامي كأنه ما علم أقسام العلوم وتفاصيلها ومراتبها وحقائقها وظواهرها وبواطنها ، وقد جرت العادة بأن الجاهل بالشيء ينكر ذلك الشيء ، وذلك المدعي ما ذاق شراب الحقيقة وما اطلع على العلم اللدني فكيف يقرّ بذلك ، ولا أرضى بإقراره تقليدا أو تخمينا ما لم يعرف ، فقال ذلك الصديق : أريد أن تذكر طرفا من مراتب العلوم وتصحيح هذا العلم وتعزيه أنت لنفسك وتقرّ على إثباته ، فقلت : إن هذا المطلوب بيانه عسير جدا ، لكن أشرع في مقدماته بحسب اقتضاء حالي وموافقة وقتي وما سنح بخاطري ، ولا أريد تطويل الكلام فإن خير الكلام ما قلّ ودلّ ، وسألت الله عزوجل التوفيق والإعانة وذكرت مطلوب صديقي الفاضل في هذا المفضول.