لأنه يزعم أن الذات الواحدة تصدر منها فائدة العلم والقدرة والحياة وهذه صفات مختلفة بالحدّ والحقيقة ، والحقائق المختلفة تستحيل أن توصف بالاتّحاد أو تقوم مقامها الذات الواحدة فما باله لا يستبعد من الأشعري قوله : إن الكلام صفة زائدة قائمة بذات الله تعالى ومع كونه واحدا هو توراة وإنجيل وزبور وقرآن ، وهو أمر ونهي وخبر واستخبار ، وهذه حقائق مختلفة كيف لا وحدّ الخبر ما يتطرق إليه التصديق والتكذيب ولا يتطرق ذلك إلى الأمر والنهي فكيف تكون حقيقة واحدة يتطرق إليها التصديق والتكذيب ولا يتطرق فيجتمع النفي والإثبات على شيء واحد فإن تخبط في جواب هذا أو عجز عن كشف الغطاء فيه ، فاعلم أنه ليس من أهل النظر وإنما هو مقلد ، وشرط المقلد أن يسكت ويسكت عنه لأنه قاصر عن سلوك طريق الحجاج ، ولو كان أهلا له كان مستتبعا لا تابعا ، وإماما لا مأموما ، فإن خاض المقلد في المحاجة فذلك منه فضول والمشتغل به صار كضارب في حديد بارد وطالب لصلاح الفاسد. وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر. ولعلك إن أنصفت علمت أن من جعل الحق وقفا على واحد من النظار بعينه ، فهو إلى الكفر والتناقض أقرب. أما الكفر ، فلأنه نزله منزلة النبيّ المعصوم من الزلل الذي لا يثبت الإيمان إلا بموافقته ولا يلزم الكفر إلا بمخالفته ، وأما التناقض فهو أن كل واحد من النظار يوجب النظر وأن لا ترى في نظرك إلا ما رأيت وكل ما رأيته حجّة ، وأي فرق بين من يقول قلدني في مجرد مذهبي ، وبين من يقول قلدني في مذهبي ودليلي جميعا وهل هذا إلا التناقض.
فصل في الكفر
لعلك تشتهي أن تعرف حدّ الكفر بعد أن تتناقض عليك حدود أصناف المقلدين ، فاعلم أن شرح ذلك طويل ومدركه غامض ، ولكني أعطيك علامة صحيحة فتطردها وتعكسها لتتخذها مطمح نظرك وترعوي بسببها عن تكفير الفرق ، وتطويل اللسان في أهل الإسلام وإن اختلفت طرقهم ما داموا متمسكين بقول لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صادقين بها غير مناقضين لها فأقول:
الكفر هو تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام في شيء مما جاء به ، والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به ، فاليهودي والنصراني كافران لتكذيبهما للرسول عليه الصلاة والسلام ، والبرهمي كافر بالطريق الأولى لأنه أنكر مع رسولنا المرسل سائر الرسل ، وهذا لأن الكفر حكم شرعي كالرق والحرية مثلا إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار ومدركه شرعي فيدرك إما بنص وإما بقياس على منصوص. وقد وردت النصوص في اليهود والنصارى ، والتحق بهم بالطريق الأولى البراهمة والثنوية والزنادقة والدهرية ، وكلهم مشركون فإنهم مكذبون للرسول فكل كافر مكذب للرسول ، وكل كافر مكذب فهو كافر فهذه هي العلامة المطردة المنعكسة.
فصل
اعلم أن الذي ذكرناه مع ظهوره تحته غور بل تحته كل الغور لأن كل فرقة تكفر مخالفها وتنسبه