الأعراض ، وما لا يخلو عن الحوادث حادث ، وإن الله تعالى عالم بعلم وقادر بقدرة زائدة عن الذات لا هي هو ولا هي غيره ، إلى غير ذلك من رسوم المتكلمين.
ولست أقول لم تجر هذه الألفاظ ، ولم يجر أيضا ما معناه معنى هذه الألفاظ ، بل كان لا تنكشف ملحمة إلا عن جماعة من الأجلاف يسلمون تحت ظلال السيوف ، وجماعة من الأسارى يسلمون واحدا واحدا بعد طول الزمان أو على القرب ، وكانوا إذا نطقوا بكلمة الشهادة علموا الصلاة والزكاة وردوا إلى صناعتهم من رعاية الغنم وغيرها ، نعم ، لست أنكر أنه يجوز أن يكون ذكر أدلّة المتكلمين أحد أسباب الإيمان في حقّ بعض الناس ، ولكن ليس ذلك بمقصور عليه وهو أيضا نادر ، بل الأنفع الكلام الجاري في معرض الوعظ كما يشتمل عليه القرآن. فأمّا الكلام المحرر على رسم المتكلمين فإنه يشعر نفوس المستمعين بأن فيه صنعة جدل ليعجز عنه العامي لا لكونه حقا في نفسه. وربّما يكون ذلك سببا لرسوخ العناد في قلبه ، ولذلك لا ترى مجلس مناظرة للمتكلمين ولا للفقهاء ينكشف عن واحد انتقل من الاعتزال أو بدعة إلى غيره ، ولا عن مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة ولا على العكس. وتجري هذه الانتقالات بأسباب أخر حتى في القتال بالسيف ، ولذلك لم تجر عادة السلف بالدعوة بهذه المجادلات ، بل شدّدوا القول على من يخوض في الكلام ويشتغل بالبحث والسؤال ، وإذا تركنا المداهنة ومراقبة الجانب صرحنا بأن الخوض في الكلام حرام لكثرة الآفة فيه إلا لأحد شخصين :
رجل : وقعت له شبهة ليست تزول عن قلبه بكلام ريب وعظي ولا بخبر نقلي عن رسول الله فيجوز أن يكون القول المرتب الكلامي رافعا شبهته ودواء له في مرضه ، فيستعمل معه ذلك ويحرس عنه سمع الصحيح الذي ليس به ذلك المرض فإنه يوشك أن يحرك في نفسه إشكالا ويثير له شبهة تمرضه وتستنزله عن اعتقاده المجزوم الصحيح.
والثاني : شخص كامل العقل راسخ القدم في الدين ثابت الإيمان بأنوار اليقين ، يريد أن يحصل هذه الصنعة ليداوي بها مريضا إذا وقعت له شبهة ، وليفحم بها مبتدعا إذا نبغ وليحرس به معتقده إذا قصد مبتدع اغواءه ، فتعلم ذلك بهذا العزم كان من فروض الكفايات ، وتعلم قدر ما يزيل به الشكّ ويدرأ الشبهة في حقّ المشكل فرض عين ، إذا لم يمكن إعادة اعتقاده المجزوم بطريق آخر سواه. والحقّ الصريح أن كل من اعتقد ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام واشتمل عليه القرآن اعتقادا جزما فهو مؤمن وإن لم يعرف أدلّته ، بل الإيمان المستفاد من الدليل الكلامي ضعيف جدا مشرف على التزاول بكل شبهة بل الإيمان الراسخ إيمان العوام الحاصل في قلوبهم في الصبا بتواتر السماع أو الحاصل بعد البلوغ بقرائن أحوال لا يمكن التعبير عنها وتمام تأكده بلزومه العبادة والذكر ، فإن من تمادت به العبادة إلى حقيقة التقوى وتطهير الباطن عن كدورات الدنيا وملازمة ذكر الله تعالى دائما تجلت له أنوار المعرفة وصارت الأمور التي كان قد أخذها تقليدا عنده كالمعاينة والمشاهدة ، وذلك حقيقة المعرفة التي لا تحصل إلا بعد انحلال عقدة الاعتقادات وانشراح الصدر بنور الله تعالى (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ