يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [النور : ٢٢]. كما سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن معنى شرح الصدر فقال : " نور يقذف في قلب المؤمن" ، فقيل : وما علامته؟ قال : " التّجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود". فبهذا يعلم أن المتكلم المقبل على الدنيا المتهالك عليها غير مدرك حقيقة المعرفة ولو أدركها لتجافى عن دار الغرور قطعا.
فصل في بعث النار
لعلّك تقول أنت تأخذ التكفير من التكذيب للنصوص الشرعية. والشارع صلوات الله عليه هو الذي ضيق الرحمة على الخلق دون المتكلم ، إذ قال عليهالسلام : " يقول الله تعالى لآدم عليهالسلام يوم القيامة : يا آدم ابعث من ذرّيتك بعث النّار. فيقول : يا رب من كم؟ فيقول : من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين". وقال عليه الصلاة والسلام : " ستفترق أمّتي على نيف وسبعين فرقة ، النّاجية منها واحدة".
الجواب : أن الحديث الأوّل صحيح ، ولكن ليس المعنى به أنهم كفار مخلدون بل إنهم يدخلون النار ويعرضون عليها ويتركون فيها بقدر معاصيهم ، والمعصوم من المعاصي لا يكون في الألف إلّا واحدا ، وكذلك قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] ، ثم بعث النار عبارة عمن استوجب النار بذنوبه ويجوز أن يصرفوا عن طريق جهنم بالشفاعة كما وردت به الأخبار ، وتشهد له الأخبار الكثيرة الدالة على سعة رحمة الله تعالى ، وهي أكثر من أن تحصى.
فمنها ما روي عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : فقدت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة فابتغيته فإذا هو في مشربه يصلي ، فرأيت على رأسه أنوارا ثلاثة فلما قضى صلاته ، قال : مهيم من هذه؟ قلت : أنا عائشة يا رسول الله ، قال : أرأيت الأنوار الثّلاثة؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : إنّ آت أتاني من ربّي فبشّرني أنّ الله تعالى يدخل الجنّة من أمّتي سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب ، ثمّ أتاني في النّور الثّاني آت من ربّي فبشّرني أنّ الله تعالى يدخل الجنّة من أمّتي مكان كلّ واحد من السّبعين ألفا سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب ، ثم أتاني في النور الثالث آت من ربي فبشرني أن الله تعالى يدخل الجنة من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفا المضاعفة سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب فقلت : يا رسول الله لا تبلغ أمتك هذا ، قال : يكمّلون لكم من الأعراب ممّن لا يصوم ولا يصلّي ، فهذا وأمثاله من الأخبار الدالّة على سعة رحمة الله تعالى كثير ، فهذا في أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم خاصّة ، وأنا أقول : إن الرحمة تشتمل كثيرا من الأمم السالفة وإن كان أكثرهم يعرضون على النار ، إما عرضة خفيفة حتى في لحظة أو ساعة ، وإمّا في مدة حتى يطلق عليهم اسم بعث النار ، بل أقول : إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى. أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك ولم تبلغهم الدعوة ، فإنهم ثلاثة أصناف : صنف لم يبلغهم اسم محمّد صلىاللهعليهوسلم أصلا فهم معذورون ، وصنف