بلغهم اسمه ونعته وما ظهر عليه من المعجزات وهم المجاورون لبلاد الإسلام والمخالطون لهم وهم الكفار الملحدون. وصنف ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمّد صلىاللهعليهوسلم ولم يبلغهم نعته وصفته ، بل سمعوا أيضا منذ الصبا أن كذابا ملبسا اسمه محمّد ادّعى النبوّة ، كما سمع صبياننا أن كذابا يقال له المقفع بعثه الله تحدى بالنبوّة كاذبا ، فهؤلاء عندي في أوصافه في معنى الصنف الأوّل فإنهم مع أنهم لم يسمعوا اسمه سمعوا ضد أوصافه ، وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب.
وأمّا الحديث الآخر ، وهو قوله : الناجية منها واحدة. فالرواية مختلفة فيه. فقد روي الهالكة منها واحدة ولكن الأشهر تلك الرواية ، ومعنى الناجية هي التي لا تعرض على النار ، ولا تحتاج إلى الشفاعة بل الذي تتعلق به الزبانية لتجره إلى النار فليس بناج على الإطلاق وإن انتزع بالشفاعة من مخاليبهم. وفي رواية : كلّها في الجنة إلا الزنادقة وهي فرقة. ويمكن أن تكون الروايات كلها صحيحة فتكون الهالكة واحدة هي التي تخلد في النار ، ويكون الهالك عبارة عمن وقع اليأس من صلاحه لأن الهالك لا يرجى له بعد الهلاك خير وتكون الناجية واحدة وهي التي تدخل الجنة بغير حساب ولا شفاعة لأن من نوقش الحساب فقد عذب فليس بناج إذا ، ومن عرض للشفاعة فقد عرض للمذلة فليس بناج أيضا على الإطلاق ، وهذان طريقان وهما عبارتان عن شرّ الخلق وخيره. وباقي الفرق كلهم بين هاتين الدرجتين : فمنهم من يعذب بالحساب فقط ، ومنهم من يقرب من النار ثم يصرف بالشفاعة ، ومنهم من يدخل النار ثم يخرج على قدر خطاياهم في عقائدهم وبدعتهم وعلى كثرة معاصيهم وقلتها. فأمّا الهالكة المخلدة في النار مع هذه الأمّة فهي فرقة واحدة وهي التي كذبت وجوزت الكذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمصلحة.
وأمّا من سائر الأمم ، فمن كذبه بعد ما قرع سمعه التواتر عن خروجه وصفته ومعجزته الخارقة للعادة كشقّ القمر وتسبيح الحصى ونبع الماء من بين أصابعه والقرآن المعجز الذي تحدّى به أهل الفصاحة وعجزوا عنه ، فإذا قرع ذلك سمعه فأعرض عنه وتولّى ولم ينظر فيه ولم يتأمّل ولم يبادر إلى التصديق ، فهذا هو الجاحد الكاذب وهو الكافر ، ولا يدخل في هذا أكثر الروم والترك الذين بعدت بلادهم عن بلاد المسلمين ، بل أقول من قرع سمعه هذا فلا بدّ أن تنبعث به داعية الطلب ليستبين حقيقة الأمر إن كان من أهل الدين ولم يكن من الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ، فإن لم تنبعث هذه الداعية فذلك لركونه إلى الدنيا وخلوّه عن الخوف وخطر أمر الدين وذلك كفر ، وإن انبعثت الداعية فقصر في الطلب فهو أيضا كفر بل ذو الإيمان بالله واليوم الآخر من أهل كل ملّة لا يمكنه أن يفتر عن الطلب بعد ظهور المخايل بالأسباب الخارقة للعادة ، فإن اشتغل بالنظر والطلب ولم يقصر فأدركه الموت قبل تمام التحقيق فهو أيضا مغفور له ثم له الرحمة الواسعة ، فاستوسع رحمة الله تعالى ولا تزن