والعزّ في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم ، واعتقدت طائفة أنه في إتلاف المال وإسرافه وتبذيره ، وتأمّلت في قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣]. فاخترت التقوى واعتقدت أن القرآن حقّ صادق وظنهم وحسبانهم كلها باطل زائل.
الفائدة الخامسة : إني رأيت الناس يذمّ بعضهم بعضا ويغتاب بعضهم بعضا ، فوجدت ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم ، فتأمّلت في قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [الزخرف : ٣٢]. فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى في الأزل فما حسدت أحدا ورضيت بقسمة الله تعالى.
الفائدة السادسة : إني رأيت الناس يعادي بعضهم بعضا لغرض وسبب فتأمّلت قوله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر : ٦]. فعلمت أنه لا يجوز عداوة آخر غير الشيطان.
والفائدة السابعة : إني رأيت كل أحد يسعى بجد ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش بحيث يقع به في شبهة وحرام ، ويذل نفسه ، وينقص قدره ، فتأمّلت في قوله تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦]. فعلمت أن رزقي على الله تعالى ، وقد ضمنه فاشتغلت بعبادته وقطعت طمعي عمن سواه.
الفائدة الثامنة : إني رأيت كل واحد معتمدا على شيء مخلوق بعضهم إلى الدينار والدرهم ، وبعضهم إلى المال والملك ، وبعضهم إلى الحرفة والصناعة ، وبعضهم إلى مخلوق مثله ، فتأمّلت في قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق: ٣]. فتوكّلت على الله تعالى فهو حسبي ونعم الوكيل ، فقال شقيق : وفقك الله تعالى إني قد نظرت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثمانية ، فمن عمل بها كان عاملا بهذه الكتب الأربعة.
أيها الولد : قد علمت من هاتين الحكايتين أنك لا تحتاج إلى تكثير العلم ، والآن أبيّن ما يجب على سالك سبيل الحق.
فاعلم أنه ينبغي للسالك شيخ مرشد مربي ليخرج الأخلاق السيّئة منه بتربيته ويجعل مكانها خلقا حسنا. ومعنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه ، ولا بدّ للسالك من شيخ يؤديه ويرشده إلى سبيل الله تعالى ، لأن الله أرسل للعباد رسولا للإرشاد إلى سبيله ، فإذا ارتحل صلىاللهعليهوسلم فقد خلف الخلفاء في مكانه حتى يرشدوا إلى الله تعالى ، وشرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وأن يكون عالما ، ولكن لا كل عالم يصلح للخلافة ، وإني أبيّن لك بعض علامته على سبيل الإجمال حتى لا يدّعي كل أحد أنه مرشد.
فنقول : من يعرض عن حبّ الدنيا وحبّ الجاه ، وكان قد تابع لشخص بصير يتسلسل متابعته إلى سيّد