بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة الرسالة
لقد بلغني عن لسان من أثق به سيرة الشيخ الإمام الزاهد حرس الله توفيقه وسمره في مهم دينه ما قوى رغبتي في مؤاخاته في الله تعالى رجاء لما وعد الله به عباده المتحابين. وهذه الأخوة لا تستدعي مشاهدة الأشخاص وقرب الأبدان ، وإنما تستدعي قرب القلوب وتعارف الأرواح وهي جنود مجندة فإذا تعارفت ائتلفت ، وها أنا عاقد معه الأخوة في الله تعالى ومقترح عليه أن لا يخليني عن دعوات في أوقات خلوته ، وأن يسأل الله تعالى أن يريني الحق حقا ، ويرزقني اتباعه ، وأن يريني الباطل باطلا ، ويرزقني اجتنابه ، ثم قرع سمعي أنه التمس مني كلاما في معرض النصح والوعظ. وقولا وجيزا فيما يجب على المكلف اعتقاده من قواعد العقائد.
وعظ النفس
أما الوعظ ، فلست أرى نفسي أهلا له لأن الوعظ زكاة نصابها الاتعاظ ومن لا نصاب له كيف يخرج الزكاة ، وفاقد النور كيف يستنير به غيره (ومتى يستقيم الظل والعود أعوج) وقد أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم صلىاللهعليهوسلم : عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني ، وقال نبينا صلىاللهعليهوسلم : " تركت فيكم واعظين ناطق وصامت".
فالناطق هو القرآن والصامت هو الموت وفيهما كفاية لكل متعظ ومن لا يتعظ بهما فكيف يعظ غيره ، ولقد وعظت بهما نفسي فصدقت وقبلت قولا وعقلا ، وأبت وتمردت تحقيقا وفعلا فقلت لنفسي : أما أنت مصدقة بأن القرآن هو الواعظ الناطق ، وأنه الناصح الصادق ، فإنه كلام الله المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ فقالت : نعم. قال الله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [هود : ١٥ و ١٦]. فقد وعدك الله تعالى بالنار على إرادة الدنيا ، وكل ما لا يصحبك بعد الموت فهو من الدنيا ، فهل تنزهت عن إرادة الدنيا أو حبها ، ولو أن طبيبا نصرانيا وعدك بالموت أو المرض على تناولك ألذ الشهوات لتحاشيتها واتقيتها. أكان النصراني عندك أصدق من الله تعالى؟ فإن كان ذلك فما أكفرك. أو كان المرض أشد عندك من النار ، فإن كان كذلك فما أجهلك ، فصدقت ثم ما انتفعت بل أصررت على الميل إلى العاجلة واستمررت ، ثم أقبلت عليها فوعظتها بالواعظ الصامت