ثم إذا صدق الرسول فينبغي أن يصدقه في صفات الله تعالى فإنه حي قادر عالم متكلم مريد ليس كمثلة شيء وهو السميع البصير وليس عليه بحث عن حقيقة هذه الصفات. وأن الكلام والعلم وغيرهما قديم أو حادث ، بل لو لم تخطر له هذه المسألة حتى مات مؤمنا وليس عليه تعلم الأدلة التي حررها المتكلمون. بل كلما حصل في قلبه التصديق بالحق. بمجرد الإيمان من غير دليل وبرهان فهو مؤمن ، ولم يكلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكثر من ذلك. وعلى هذا الاعتقاد المجمل استمرت الأعراب وعوام الخلق إلا من وقع في بلدة يقرع سمعه فيها هذه المسائل مقدم الكلام وحدوثه ومعنى الاستواء والنزول وغيره فإن لم يأخذ ذلك قلبه وبقي مشغولا بعبادته وعمله فلا حرج عليه وإن أخذ ذلك بقلبة فأقل الواجبات عليه ما اعتقده السلف فيعتقد في القرآن القدم ، كما قال السلف : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ويعتقد أن الاستواء حق والسؤال عنه مع الاستغناء بدعة ، والكيفية فيه مجهولة. فيؤمن بجميع ما جاء به الشرع إيمانا مجملا من غير بحث عن الحقيقة والكيفية ، فإن لم ينفعه ذلك وغلب على قلبه الإشكال والشك فإن أمكن إزالة شكه وإشكاله بكلام قريب من الافهام. وإن لم يكن قويا عند المتكلمين ولا مرضيا عندهم ، فذلك كاف ولا حاجة به إلى تحقيق الدليل ، بل الأولى أن يزال إشكاله من غير برهان حقيقة الدليل ، فإن الدليل لا يتم إلا بدرك السؤال والجواب عنه ، ومهما ذكرت الشبهة فلا يبعد أن ينكر بقلبه ويكل فهمه عن درك جوابه إذ الشبهة قد تكون جلية والجواب دقيقا لا يحتمله عقله. ولهذا زجر السلف عن البحث والتفتيش عن الكلام. وإنما زجروا عنه لضعفاء العوام.
وأما المشتغلون بدرك الحقائق فلهم خوض غمرة الإشكال ومنع الكلام للعوام يجري مجرى منع الصبيان من شاطئ نهر دجلة خوفا من الغرق ، ورخصة الأقوياء فيه تضاهي رخصة الماهر في صنعة السباحة ، إلا أن هاهنا موضع غرور ومزلة قدم ، وهو أن كل ضعيف في عقله. راض من الله تعالى في كمال عقله. يظن بنفسه أنه يقدر على إدراك الحقائق كلها وأنه من جملة الأقوياء فربما يخوضون فيغرقون في بحر الجهات حيث لا يشعرون ، فالصواب للخلق كلهم إلا الشاذ النادر الذي لا تسمح الأعصار إلا بواحد منهم أو اثنين سلوك مسلك السلف في الإيمان بالرسل والتصديق المجمل بكل ما نزله الله تعالى وأخبر به رسوله من غير بحث وتفتيش عن الأدلة ، بل الاشتغال بالتقوي عليه شغل شاغل إذ قالصلىاللهعليهوسلم حيث رأى أصحابه يخوضون بعد أن غضب حتى احمرت وجنتاه : " أبهذا أمرتم تضربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا ما أمركم الله به فافعلوا وما نهاكم عنه فانتهوا". فهذا تنبيه على المنهج الحق ، واستيفاء ذلك شرحناه في كتاب (قواعد العقائد) فيطلب منه والسلام.