الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب ، فإذن الإيمان بالجمليات التي ليست مفصلة في الذهن ممكن ولكن تقديسه الذي هو نفي للمحال عنه ينبغي أن يكون مفصلا ، فإن المنفى هي الجسمية ولوازمها ونعني بالجسم هاهنا الشخص المقدر الطويل العريض العميق الذي يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو الذي يدفع ما يطلب مكانه إن كان قويا ويندفع ويتنحى عن مكانه بقوة دافعة إن كان ضعيفا ، وإنما شرحنا هذا اللفظ مع ظهوره لأن العامي ربما لا يفهم المراد به.
الوظيفة الثالثة : الاعتراف بالعجز ويجب على كل من لا يقف على كنه هذه المعاني وحقيقتها ولم يعرف تأويلها والمعنى والمراد به أن يقر بالعجز ، فإن التصديق واجب وهو عن دركة عاجز ، فإن ادعى المعرفة فقد كذب وهذا معنى قول مالك : الكيفية مجهولة ، يعني تفصيل المراد به غير معلوم ، بل الراسخون في العلم والعارفون من الأولياء إن جاوزوا في المعرفة حدود العوام وجالوا في ميدان المعرفة وقطعوا من بواديها أميالا كثيرة فما بقي لهم مما لم يبلغوه بين أيديهم أكثر بل لا نسبة لما طوى عنهم إلى ما كشف لهم لكثرة المطوى وقلة المكشوف بالإضافة إليه والإضافة إلى المطوي المستور. قال سيد الأنبياء صلوات الله عليه : " لا أحصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك". وبالإضافة إلى المكشوف ، قال صلوات الله عليه : " أعرفكم بالله أخوفكم لله وأنا أعرفكم بالله". ولأجل كون العجز والقصور ضروريا في آخر الأمر بالإضافة إلى منتهى الحال قال سيد الصديقين : العجز عن درك الإدراك إدراك ، فأوائل حقائق هذه المعاني بالإضافة إلى عوام الخلق كأواخرها بالإضافة إلى خواص الخلق ، فكيف لا يجب عليه الاعتراف بالعجز!.
الوظيفة الرابعة : السكوت عن السؤال وذلك واجب على العوام لأنه بالسؤال متعرض لما لا يطيقه وخائض فيما ليس أهلا له ، فإن سأل جاهلا زاده جوابه جهلا وبما ورطه في الكفر من حيث لا يشعر ، وإن سأل عارفا عجز العارف عن تفهيمه بل عجز عن تفهيم ولده مصلحته في خروجه إلى المكتب ، بل عجز الصائغ عن تفهيم النجار دقائق صناعته ، فإن النجار وإن كان بصيرا بصناعته فهو عاجز عن دقائق الصياغة لأنه إنما يعلم دقائق النجر لاستغراقه العمر في تعلمه وممارسته ، فكذلك يفهم الصائغ الصياغة أيضا لصرف العمر إلى تعلمه وممارسته وقبل ذلك لا يفهمه فالمشغولون بالدنيا وبالعلوم التي ليست من قبيل معرفة الله عاجزون عن معرفة الأمور الإلهية عجز كافة المعرضين عن الصناعات عن فهمها ، بل عجز الصبي الرضيع عن الاعتذار بالخبز واللحم لقصور في فطرته لا لعدم الخبز واللحم ولا لأنه قاصر على تغذية الأقوياء ، لكن طبع الضعفاء قاصر عن التغذي به فمن أطعم الصبي الضعيف اللحم والخبز وأمكنه من تناوله فقد أهلكه ، وكذلك العوام إذا طلبوا بالسؤال هذه المعاني يجب زجرهم ومنعهم وضربهم بالدرة كنا كان يفعله عمر رضي الله عنه بكل من سأل عن الآيات المتشابهات ، وكما فعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الإنكار على قوم رآهم خاضوا